GuidePedia



* ـ الملامح العربية لفن المسرح أن الجمهور عربي ونطق الممثلين كان بالعربية أو أنهم ممثلون عرب
* ـ أوروبا عرفت فن المسرح  منذ أكثر من عشرين قرنًا من الزمان
بقلم ـ ممدح فراج كوكب  :
حين قرأت كتاب شخصيات وتجارب في المسرح والذي أصدرته الهيئة العامة لقصور الثقافة بوزارة الثقافة المصرية  في ذكرى وفاة الراحل رجاء النقاش الذي يعد من أبرز نقاد الأدب في النصف الثاني من القرن العشرين
هذا الكتاب الذي تجمع فيه مقالات كتبها الراحل رجاء النقاش عن المسرح في أواخر الستينيات وحتى منتصف السبعينيات التي عاش فيها المسرح فترته الذهبية باعتباره فنًا له قواعده وأصوله ،
ورغم أنها مقالات سبق نشرها إلا أن  الراحل رجاء النقاش قام  بترتيبها في كتاب يفصح عن انخراطه في الحركة المسرحية وموقفه منها وعن طريقة تفكيره في نقد المسرح ،إلا أنه رحل قبل أن ينشر الكتاب ليتطوع شقيقه فكري النقاش بمهمة إخراجه وبنفس الترتيب الذي وضعه الراحل الشقيق رجاء النقاش لتقوم بمهمة نشره الهيئة العامة لقصور الثقافة أحد أهم هيئات وزارة الثقافة  بمصر ضمن سلسلة إصدراتها الخاصة ، تحت عنوان " شخصيات وتجارب في المسرح ،ليكشف لنا الكتاب أن فن المسرح ظل لفترة طويلة غريبًا علينا ووافدًا على حياتنا وكان يعتمد اعتمادًا أصيلاً على الترجمة والاقتباس ، حتى أصبح في السنوات الأخيرة من أهم  الفنون الأساسية ، ولم يكن له ملامح عربية سوى نطق الممثلين بالعربية أو أنهم ممثلون عرب أو أن الجمهور عربي ، رغم ان أوروبا عرفت هذا الفن منذ أكثر من عشرين قرنًا من الزمان ، ويوضح لنا الكتاب أن العالم العربي لم يعرف المسرح إلا في مصر منذ مائة عام عندما وقف يعقوب صنوع على مسرح الأوبرا وأخذ يقلد الفنان الفرنسي " موليير " في مسرحياته الساخرة ، وما تلاها من وقفات مسرحية لابي خليل القباني والقرداحي وغيرهم من رواد المسرح العربي الأوائل وحتى توفيق الحكيم ، ويبين الكتاب أن هناك محاولات بحثية لاثبات وجود مسرح في الثقافة العربية القديمة " كخيال الظل " ولكن لم تستطع تلك الجهود أن تثبت أن هناك ولو لمحات لفن مسرح في الثقافة العربية القديمة أو حتى تكشف لنا عن نصوص مسرحية بمفهومها العلمي كـ " نص مسرحي " أو تقدم لنا كاتب يمكن أن نطلق عليه كاتب مسرحي من س  أمثال " اسخيليوس ، سوفوكليس يوربيدس، اريستوفان ، راسين ،موليير ، شكسبير ،  "وغيرهم من الكتاب العالميين ، وما وجد في رسالة الغفران للمعري أو في كتابات الجاحظ ، فهى صور فنية للحوار لم تكتمل حتى تصبح عملاً مسرحياً مكتملأ يمكن تقديمه على خشبة المسرح ،
 والخلاصة هي أن الثقافة العربية ، لم تعرف فن المسرح معرفة وثيقة كما عرفه " اليونان والرومان " وبعض شعوب الغرب ، ويشير الكتاب إلى أن هناك محاولات لاستلهام الآثار الأدبية العربية القديمة وتحويلها إلى عمل مسرحي ،  فالفنان المسرحي المغربي "الطيب الصديقي " استمد عددًا من "مقامات بديع الزمان الهمزاني " وقدمها على المسرح في شكل رائع اما الفنان المسرحي السوري " سعد الله ونوس " فقدم مسرحية "رأس المملوك جابر" التي استمدها  من القصة الشعبية العربية التى اختلط فيها التاريخ بالأسطورة أما المصري ألفريد فرج فقدم " حلاق بغداد " مستخدمًا خامات من " ألف ليلة وليلة " ومن " المحاسن والأضداد ، " للجاحظ ، ويؤكد الكتاب بما لا يدع مجالاً للشك أن المادة الخام للعمل المسرحي كتابة وفناً موجودة في ثقافتنا العربية القديمة والحديثة وبشكل خصب ويمكن أن تعطي هذه المادة ملامح خاصة وشخصية عربية للمسرح العربي المعاصر ، ويستعرض النقاش في كتابه بعض الأعمال المسرحية التى شاهدها وسجل رؤيته حولها ومنها مسرحية " الذباب لجان بول سارتر " والتي تعد أصعب عمل مسرحي له والتي قدمت على مسرح الأزبكية " القومي " باسم الندم " وأبدعت في تقديمها الفنانة القديرة سميحة أيوب ، لأن هذه المسرحية من أصعب من أصعب المسرحيات التى عرفها المسرح الحديث ، وهى ضد الاستغلال السئ للدين أخرجها سعد أردش ،دون أن يحرمها من جوها الأسطوري كمسرحية ، أما" بهية وياسين " فقدمها نجيب سرورليظهر لنا أن الحب في القرية كان ممنوعًا أمام غول الاقطاع الذي كان يبتلع كل شئ ، ومن حسن هذا العمل أنه يذكرنا بشاعر القرية الاسباني " فردريكو جارتيالوركا " ويؤخذ على هذا العمل بعض العبارات الحادة التي تصدم المتلقي " ابن الكلب " فلوركا قدم " عرس الدم " قتل فيها العريس قبل أن يتزوج فتاته لتقاليد القرية الاسبانية ووحشيتها التى تتشابه معها "بهية وياسين" لنجيب سرور ،  في القرية المصرية في عصر الاقطاع ، فالخامة التى منحت" لوركا" عمله المسرحي هى نفس المادة التى منحت "نجيب سرور" لكن سرور عنيف عال الصوت ، وعن تسلل اللا معقول إلى مسرحنا  يعترض النقاش على هدم قواعد المسرح ، عند الذين يخطون خطواتهم الأولى في المسرح ، لانه أصبح ظاهرة مرضية ، وبها يبرر البعض ضعفهم حتى أن "توفيق الحكيم" عاد إلى العقل والوضوح وقدم لنا مسرحية الخرتيت ، للفرنسي " يوجين أونيسكو " الذي يتزعم مدرسة الكوميديا ، التي نشأت في المسرح الإغريقي ، والتي لم يغير كتابها أمثال " أريستوفان ، موليير ، برناردشو ، أنها فن اجتماعي ، وإذا كان بيكيت في مسرحيته "في انتظار جودو " قدم الصراع والتطور ، فنحن في حاجة إلى مراجعة لموجة اللا معقول ، وإلى كتاب يرسخون قواعد الدراما حرصين على قواعد المسرح أمثال " تنسى وليامز صاحب القصة الشهيرة (قطة على صفيح ساخن) ، آثرميللر " وإلى الفنان الشجاع الذي يعالج المشاكل المسرحية بعقل مستنير ،ويتناول النقاش ظاهرة فشل بعض الأدباء في مجالات معينة رغم أنهم مبدعون ، في مجالات أخرى ، "فتولستوى" الكاتب الروسي ،فشل في المسرح رغم نجاحه الهائل في الرواية ، والفرنسي "بلزاك " الروائي الأكبر في فرنسا في القرن الماضي دخل المسرح ولم يترك وراءه سوى أثر ضئيل ، ويبدو في المسرح محدود القيمة ، وفي أدبنا العربي أمثلة كثيرة ، " فالعقاد" كاتب من كتاب الدرجة الأولى في الأدب العربي المعاصر كله لكنه شاعر من شعراء الدرجة الثالثة أو الرابعة ، و "طه حسين " يلمع ويتألق في دراساته الأدبية والفكرية ، لكنه لا يصل إلى هذا المستوى في رواياته ، و" سمير سرحان " ناقد بارز في المسرح لكنه غريب على فن المسرح  ولا يملك الموهبة الحقيقية للكاتب المسرحى ،قدم لنا " ملك يبحث عن وظيفة " التي سبقه الحكيم في تقديمها،وبها الكثير من ملامح الكوميديا الغنائية لكن لا بد وأن نشعر أن المسرحية خرجت من يد فنان لا صنايعي ، أما توفيق الحكيم فيعد كاتب مسرحي ذا شأن وليس هناك كاتب مسرحي ذا شأن قبله ،فهو لم يلتزم بمذهب فني واحد وفي بداياته المسرحية يستمد كتاباته المسرحية من التراث الإسلامي والشرقي عمومًا " شهرزاد " من ألف ليلة وليلة " سليمان الحكيم "  من القصة الدينية الشرقية ، وهو ليس مجرد ناقل فقد كان يضيف من فكره ووجدانه ، وحين نقارن موقفه بنجيب محفوظ ، نجد الطبيعة الفنية عنده غلابة ، وعند محفوظ العكس الحقيقة الإنسانية أهم من الحقيقة الفنية ، ونجيب يتطور ببطء ،فالحكيم ، عنده القضايا الإنسانية تابعة للحقيقة الفنية ، وتالية لها وعند محفوظ كل الأمور بما فيها الفن خادمة للحقيقة الانسانية ، ويوضح النقاش أن يوسف وهبي والريحاني اعتمدا على اقتباس المسرحيات الأجنبية وتمصيرها عدا مسرحيات قليلة ، لكن كان هناك إنكار لذلك من جانب يوسف وهبي، لكن النقاش يؤكد أن يوسف وهبي قدم "القبلة القاتلة "للفرنسي "لوي لجوريادك " و" غادة الكاميليا " لألكسندردوماس"و"ملك الحديد "لجورج أو هنية " و " الجبار" لهنريبرنستين" وغيرها ويذكر النقاش أن الباحثين على هذا الرأي والمسألة ليست مسألة أشخاص لكنها حقائق علمية ، أما الريحاني فهو واحد من الذين تركوا أثراً على خشبة المسرح وعلى الجمهور المصري بصورة عامة أضحك الناس، وضحك عليهم ونقدهم نقدًا قاسيًا في نفس الوقت ، ومع ذلك لا يوجد في المكتبة العربية كتابًا ذا قيمة عنه ثم يتناول النقاش رؤيته لكتاب أصدرته سعاد ابيض ابنة الفنان المسرحي جورج ابيض عن أبيها كما يتناول رؤيته لاستيعاب أكبر عدد من المتميزين للعمل بالمسرح وكذلك تجربة مسرح القهوة ، ورؤيته عن فشل مسرح الحكيم في تقديم جان دارك في موسم 1969 م فالفن المسرحي عندنا لا يجد جمهور ، ويستعرض النقاش أزمة المسرح وخاصة في مصر  ، وأننا إذا كنا نريد حركة مسرحية سليمة فليكن وجه مسرحنا عربيًا بالدرجة الأولى أما رأي الدكتور علي الراعي الذي نشرته  روزاليوسف انه غير سعيد بإلغاء مسرحية " أنطونيووكليوباترا " فوق خشبة المسرح المصري ، والنقاش غير سعيد برؤية د. على الراعي ، وأن المصلحة العامة تقتضي تأجيل عرض المسرحية، وإذا كان الدكتور لويس عوض يدعو أن تكون المترجمات أساس الحركة المسرحية، وتكون أول مسرحية مترجمة بناءً على هذه الدعوة هى مسرحية ترجمها لويس عوض نفسه ، فكانت والكلام على لسان النقاش أتمنى أن يترفع الدكتور لويس عوض وهو أستاذ كبير وكاتب له مكانته وتاريخه عن مثل هذا الموقف ،فهذا موقف غريب لا أرتضيه له ، على أن المسألة تتعدى حدود السمعة الشخصية والمواقف الخاصة ، فإذا تساءلنا عن الضرورة الفكرية والفنية التي تجعلنا نقدم " أنطونيووكليوباترا " على المسرح المصري ، لم نجد إجابة مقنعة وسنكتشف ان السبب الوحيد الواضح لتقديم هذه المسرحية هو أنها من ترجمة الدكتور لويس عوض ولو سلمنا بالنظرية التي تدعو إلى إعتماد المسرح المصري على المترجمات في حركته الرئيسية هل ضاقت دنيا المسرح العالمي أمامنا حتى أننا لم نجد سوى " أنطونيووكليوباترا " لتفقديمها على خشبة المسرح وهل ضاقت دنيا شكسبير إلى الحد الذي يدفعنا أن نترك مسرحياته الكبرى ونختارهذه المسرحية وهى ليست من أهم أعماله "  فالنقاش كان يرى أن الأعمال المترجمة وسيلة جيدة  لفن المسرح وليس العم المكرر
      ويعد الكاتب المصري رجاء النقاش من أبرز النقاد الأدبيين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين الذي توفي عن عمر يناهز 74 عاما حسب ما أفادت أسرته
بدأ في ممارسة النقد الأدبي، وهو طالب في السنة الأولى بكلية الآداب في جامعة القاهرة وتخرج منها في قسم اللغة العربية عام 1956 وكان له الفضل في اكتشاف العديد من المواهب الأدبية، وهو أول من عرف القراء العرب خارج فلسطين بالشاعرين محمود درويش وسميح القاسم، وأول من اكتشف الشاعر المصري احمد عبد المعطي حجازي والروائي السوداني الطيب صالح
وتميزت كتابات النقاش النقدية بالعمق والبساطة فجذب اهتمام القارئ غير المتخصص إلى دائرة الإبداع الثقافي والأدبي
وله مؤلفات عديدة منها "نجيب محفوظ صفحات من مذكراته وأضواء جديدة على أدبه وحياته" سيرة للروائي المصري الراحل الحائز على جائزة نوبل في الآداب، و"ثلاثون عاماً مع الشعر والشعراء"و"عباس العقاد بين اليمين واليسار" و"فدوى طوقان وأنور المعداوي" و"محمود درويش شاعر الأرض المحتلة" "وله "قصة روايتين"وهي دراسة نقدية فكرية مقارنة لروايتي "ذاكرة الجسد"للجزائرية أحلام مستغانمي و"وليمة لأعشاب البحر"للسوري حيدر حيدر
نال النقاش جائزة الدولة التقديرية في مصر عام( 2000) وكُرّم النقاش في كانون الأول 2007 في حفل في نقابة الصحفيين في القاهرة، حيث نال درع النقابة ودرع مؤسسة «دار الهلال» ودرع حزب التجمع اليساري وكان النقاش يعاني من مرض السرطان قرابة ثلاث سنوات، وشيعت جنازته من مسجد عمر مكرم في القاهرة































ينتمي النقاش إلى أسرة ضمت مثقفين بارزين فكان أخوه الراحل وحيد مترجماً وناقداً وأخوه فكري مؤلفاً مسرحياً وتولت أخته الناقدة فريدة النقاش رئاسة تحرير مجلة «أدب ونقد» لنحو عشرين عاماً ثم أصبحت منذ نهاية عام 2006 رئيسة تحرير صحيفة «الأهالي»، لسان حال حزب التجمع اليساري
   
 
Top