GuidePedia

المرأة الكوردية بين الحرية والحجاب عبر التاريخ ....

 

إعداد / رمزي عقراوي / دهوك

Email: remziakrawi@yahoo.com

 

الحجاب له اشكال متعددة يختلف ارتداءه من مجتمع لاخر وفق المعتقدات والقناعات الدينية والاخلاقية منه : الجلباب والخمار والنقاب والعباية والوشاح والشادور والبرقع...

سنبحث في هذه المقالة حجاب المرأة الكوردية في بعديه الزماني والاسلامي وكعنصر غريب على الثقافة الكوردية علما ان المرأة الكوردية لا تضع حجابا للوجه الا في بعض الاوساط الدينية المتشددة والصوفية المتمسكة بحرفيات الدين، وانما الظاهرة الدارجة حاليا وبصورة ملفتة في المدارس والاوساط الاجتماعية والدينية المختلفة هو الوشاح الذي يغطي الشعر ، وكذلك الجلابيب الطويلة الى القدمين والعبايات ، هذه الظواهر التي ان وجدت في الاونة الاخيرة مع ما تسمى الصحوة الدينية في كل اجزاء كوردستان مع تمايزات بسيطة هنا او هناك، والوشاح هو الاكثر انتشارا وفي كال الاوساط من بين كل هذه الحجابات .

انناعندما نستقرأ الواقع تاريخيا نجد ان الحجاب وجد منذ القديم عند جميع الشعوب لاسباب مختلفة، فوجد عند السومريين ،فاجبرت المرأة السومرية الزانية على ارتداء الحجاب تميزا عن المرأة العفيفة والاشوريين من الشعوب القديمة التي اجبرت المرأة على ارتداء الحجاب واكدت على ذلك الرقم الطينية المكتشفة، وفي العهد الاغريقي كان حجاب المرأة اليونانية كاملا لايظهر من المرأة سوى العينين ، ووجد الحجاب عند اليهودية عند اليهود الارذثوكس ففرضت اليهودية على النساء حجابا قويا يشمل كل الجسد عدا الوجه والكفين وما زال مثل هذا الزي دارجا بين الطائفة الحسيدية اليهوديةالمتشددة دينيا ، بل يمتد الحجاب الى ما قبل اليهودية كزي المرأة الحرة المتزوجة بينما اعطت المسيحية مكانة رفيعة للمرأة وبذلك تناقضت مع الشريعة الموسوية الذكورية المتزمتة فالمسيح نفسه ابن امرأة صالحة ويدخل في نسب يسوع اربع نساء ، ثامار، راعوث، راحاب، بتشبع (انجيل متى) وفي سورة مريم جاءت اية الحجاب في المسيحية ويلاحظ في الاديرة والكنائس الراهبات يلبسن حجابا اسودا وللقديس ترتوليانوس – اللاهوتي المسيحي- عمل شهير باسم الحجاب وهو مؤسس الكنيسة الافريقية ، بربري عاش في القرن الثاني الميلادي ويحمل مسؤولية اضطهاد المرأة المسيحية.

ولا يوجد ما يوحي بان الحجاب في العصور القديمة كان طقسا عاما، فكانت المرأة في الحضارة المصرية القديمة مقدسة ففي عهد الفراعنة عاشت في اوج حريتها حيث تخرج سافرة وتشارك في الحياة وتحضر المجالس كما اسند لها مهام اله العدل (امهوت) وايزيس الهة الجمال الفرعونية..وفي العصور الوسطى ظهرت اكثر من دعوى تقول بحجاب الشاب الوسيم الصبيح...

كما اننا لانجد في الحضارة الميدية ان المرأة الكوردية قد وضعت حجابا لاسباب دينية الا بعد الفتح العربي الاسلامي لبلاد الكورد، فلو نبشنا في كتاب الزرادشتيين المقدس افستا نجد ان زرادشت ادخل تغييرا هاما على نظرة المجتمع الى المرأة انذاك كاختيار الزوج وحق الطلاق وملك العقار وادراة الشؤون المالية لزوجها ..وفي افستا الهة انثوية اناهيدا وميثرا وكانت محل تقدير واحترام وما زال  الكورد يربطون بين قدسية الحياة والمرأة .

كما ان المرأة العربية في البادية قبل الاسلام لم تعرف الحجاب، فهي كانت تخالط الرجال وكانت لها الحق في اختيار الزوج وتطليقه وينتقل زوجها للعيش معها في بيت ابيها ونظام القرابة في تلك القبائل العربية كانت تقوم على اساس الام وجاء في القرآن الكريم تاكيد على سفور النساء في الجاهلية " وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى " اذن الحجاب بهذا السرد التاريخي ليس رمزا اسلاميا حصرا بل وجد في التاريخ القديم ايضا عند بعض الشعوب والديانات لاسباب صحية ووقائية ثم اكتسب على يد اليهود صفة دينية .

الحجاب في الإسلام :

لم يؤمر النبي محمد (ص) في بدايات الاسلام الاولى بتغطية وجه المرأة وهي غير محجبة في الصلاة والاسواق وتؤم المساجد في يوم الجمعه، ووصل الحد باهل المدينة ومكة ان يخرجوا امائهم عراة متزرات وابدانهن وصدورهن ظاهرة بغرض البيع لان مقاييس العرب في جمال المرأة كانت حسية بحتة فهم يفضلونها جزلة، لحمية ،جسيمة.

وكان الرسول (ص) يفرض التواضع والاحتشام وقوانين البساطة في الزي والسلوك المناسب في ذلك ورغم الحاح الخليفة عمر بن الخطاب قائلا: يا محمد انك تستقبل في بيتك اناس غير اخلاقيين ومنافقين فلماذا لاتامر لامهات المؤمنين بالحجاب؟ ولكن الرسول الكريم (ص) استمر في رفض الموافقة على الحجاب غير شاعر بالمشكلة التي يراها عمر، لقد استبعد النبي محمد (ص) فكرة المراقبة البوليسية وشجع كل مسلم بان يتدبر امر فهم النص الديني وكان يعتقد ان العنف ضد النساء سوف يزول مع انتصار الاسلام وتقرب الناس من الله بينما كان الحل بالنسبة الى عمر وبعض الصحابة هو الحجاب الذي يخفي النساء بدلا من تغيير العقول.

مع مرور الايام وتزمت بعض الصحابة ومنهم عمر بالدرجة الاولى – الذين فقدوا بعضا من مكانتهم الذكورية في البيوت، فكانت عائشة ام المؤمنين وام سلمة تطلبان تحرير النساء وخروجهن لوحدهن الى الشارع- ومع تعرض النسوة في شوارع المدينة للتحرض الجنسي دون تمييز فكان الرد انهم لايعرفون العبدات من الحرات ونساء المؤمنين فنزلت الاية " يا ايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ".

وكاني بهذه الاية قد اعطيت الفتوى للتحرش الجنسي ضد الاماء والعبدات وخفضهن الى مستوى العاهرات حيث كان هناك في المدينة بغاء منظم كما جاء في القران " ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا" .

كان الحجاب في المدينة جوابا على اعتداء جنسي والاعتراف بالجسد النسوي عورة والاعتراف بالشارع كمكان للتزاني والتضحية بالاماء لحماية الارستقراطيات ولم يكن الهدف حجز حرية المرأة وكان الحجاب بهذه الصورة انتصارا للمنافقين والمعارضين لحرية المراة والحرية الشخصية التي كان النبي محمد (ص) ينادي بها .

وفي الاصل نزل الحجاب في المدينة لوضع حاجز بين رجلين وليس رجل وامراة وهما النبي محمد (ص) وانس بن مالك يوم زفاف الرسول من زينب بنت جحش ولم يكن النبي محمد (ص) يبغي من وراء اية الحجاب ان ينخفض ذلك الحجاب الى مستوى قطعة قماش يفرضه الرجال على النساء عندما يمشين في الشارع ويصبح فيما بعد مؤسسة . ويبدو ان اية الحجاب التي نزلت في هذه الحادثة هو لوضع حاجز بين الرسول والعامة واحترام حرمة المنازل " يا ايها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي الا ان يؤذن لكم غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين لحديث ان ذلك كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق واذا سالتموهن متاعا فسئلوهن من وراء الحجاب ذلك اطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا ازواجه من بعده ابدا ان ذلكم كان عند الله عظيما " (صدق الله العظيم).

 

الحجاب عند المرأة الكوردية :

ان حجاب المرأة الكوردية ليس قاسيا وهي لم تضع الحجاب لاسباب سياسية ودينية الا مع الفتح الاسلامي لبلاد الكورد فهي ظاهرة خارجية وبضاعة مستوردة الى الثقافة الكوردية فهي ان لبست غطاءا للشعر او الراس فكان لاسباب جمالية وفلكلورية وهي ليست الا عبارة عن قطعة قماش تكمل الزي القومي الكوردي او للحماية من الظروف الجوية من الحر والبرد وفي الواقع ان لباس المرأة الكوردية قومي ومحتشم في ان معا وكان الشيخ الشهيد  معشوق الخزنوي يدعو الى الاحتشام في الزي دون فرض نوع معين من الملابس على المراة ولكن مع هجمة (الاصولية الدينية) في المنطقة وتنامي نشاط رجال الدين وكهنته والفكر الديني المشوه تعرضت المراة الكوردية ايضا لضغوطات واسعة لارتداء الحجاب حتى اصبحت ظاهرة متفشية في المجتمع وزادت من القيود المفروضة عليها ولان المراة الكوردية متحررة نسبيا مقارنة مع غيرها من نساء القوميات الاخرى في المنطقة تمر في حالة صراع بين الرغبة في الانطلاق بحرية نحو الحياة دون قيود وبين الضغط الاصولي الديني وثقافة العيب والخجل المتشدد والخوف من عواقب السفور فتتجاذبها رغبتين متطرفتين، رغبة التحجب ورغبة التعري او التقليد وهي في كلا الرغبتين تقمع جسدها وتحجز حريتها لان العري و الحجاب كليهما يقمعان جسد المراة ويحولان دون كينونتها الى مجرد جسد .

ان الشعور بالدونية لدى المراة الكوردية تجعلها تنظر الى ذاتها كانثى، مخلوقة للرجل فهي تعمل وتدرس وتلبس وتتمكيج ووو ...حتى تكون مرغوبة للزواج من قبل الرجل؟؟ّ! لا نريد المراة الكردية ان تكون رجلا ذكوريا تقمع نفسها وتكبت مشاعرها وعواطفها او انثى تتسلعن لتكون مادة للعرض و الطلب ان المراة ليست مخلوقة للرجل انهما مخلوقان لانفسهما يكملان بعضهما البعض ويحافظان على نوع الجنس البشري، عليها ان تنظر الى نفسها اولا كانسان ثم كانثى لانه وكما قال احد الفلاسفة : ان الانسان لا يولد امراة بل يصبح كذلك " ثم عليها ان تعرف انه لاعلاقة ين الحجاب و اللباس عموما وبين الاخلاق والحرية والتحرر فاللباس حيادي والاخلاق معياري فقد تكون امراة محجبة مستهترة واخرى سافرة مؤدبة وبالعكس .

الحجاب كطقس سياسي

ان الزمان تغير والظروف والاسباب التي دعت الى ارتداء الحجاب زالت ولكن النص ظل ثابتا معمولا به تلاوة وحكما وكانه نزل البارحة فاول ما يبادر الى اذهان الاصوليين والسلفيين عندما يضعون برامجهم السياسية والاقتصادية العتيدة هو الحجاب، حجب المراة عن الرجل. عدم الاختلاط ، منع عمل المراة، ان القضية في الواقع يتجاوز المسالة الاخلاقية ليكون هدفا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ،ان القول ان الحجاب يحفظ كرامة المراة ويحفظ المجتمع من المنزلقات الاخلاقية قول غير دقيق وغير واقعي، ان المراة لا تحمي نفسها بالحجاب ولا تكون مؤدبة بذلك فهي تحمي نفسها بعقلها الواعي المتفتح. في الواقع وفي هذه المرحلة بالذات اصبح الحجاب في واجهة اهتمامات التطرف الديني المتشدد وكتعبير عن الانتماء كما اصبح رمزا لمقاومة الغرب من قبل المتاسلمين أي اتخذ طابعا شكليا وسياسيا ويوظف لغايات سياسية فكان الشادور في ايران عام 1963 رمزا سياسيا ضد الشاه وهو اليوم علامة فارقة للشيعة الايرانية والنساء المسلمات في فرنسا يضعن الحجاب كدليل الى الانتماء الى الاسلام ...كما اصبح رمزا سلفيا يدل الى الرجوع الى الاسلام الاولي كما لو انه جوهر الهوية الاسلامية ،والبعض يرجعن الى الحجاب دون ضغط عائلي او اجتماعي مباشر فالحجاب بالنسبة الى المراة في هذه الحالة هي المطالبة بالتحويل الاخلاقي للحياة الاجتماعية وهناك بعض الفتيات تحجبن ليكونن مرغوبات على اساس انهن ملتزمات ويستخدم في كثير من المناطق كوسيلة للانتقال الحر وممارسة الجنس حتى لا يتعرف عليهن احد ، وفي الحقيقة ان الغالبية العظمى من النساء تكتفي بالمظهر الخارجي الاسلاموي الذي يفتقد أي جوهر حقيقي للاسلام الصحيح.

اذن اذا كان الحجاب احد رموز العالم الاسلامي الحديث فهو ايضا رمز القيود المفروضة على النساء ومظهر من مظاهر القمع في العالم الاسلامي العربي وشكل من اشكال قمع الجسد حيث يتم دفن النساء في اثواب سوداء فبدلا من ان تكون الملابس عاملا مساعدا للحرية تكون قمعا للجسد والروح والعقل معا.

ان المتاسلمين بفرضهم الحجاب على المراة عموما ليس المقصود به حجب شعرها او وجهها بل حجب عقلها لجعلها قاصرة ابدية ، ان الجمال هو موضوع نظر وليس لعنة فلماذا يجب ستر الجمال لماذا يجب ان يبقى مخبوءا بغير ارادته؟ ان وجه المراة ليس عورة واذا كان كذلك فلماذا لا يحجب وجه الشاب الوسيم او كل منظر جميل. واذا كانت المراة فتنة والحجاب لسد ذريعة فتنة النساء فهناك ايضا فتنة الاولاد والاموال " واعلموا انما اموالكم واولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم " فلماذا اذن الاسراف في فتنة النساء؟ لماذا المراة الكبيرة غير مطلوب منها لبس الحجاب ام لانها ليست موضوع اشتهاء جنسي؟

يبدو انه كلما حاولت النساء او اردن طرح الحجاب ارضا او لانهن مستمرات في خلعه بدأ رجال  الدين برفع لواء المقدس كتبرير لمواقفهم ويزعقون بان ما تفعله النساءلا يحتمل وان البنية الاجتماعية ستختل اذا ازيل القناع عن الوجه والشعر غير ان رجال الدين لايزعقون الا عندما يلق الاذى بهم وبمكاسبهم وسلطتهم الابوية البطريركية لذلك لابد من الاشارة الى ان لدى من يدعون الى اعادة فرض الحجاب اسبابهم الوجيهة فالاصوليين على (حق عندما يقولون ان تعليم النساء يدمر الحدود التقليدية وتصاريف المكان والادوار بين الجنسين كمزاحمتهن لهم لمواقع العمل واكتساب الالقاب ) كما هو الحال في تركيا الان!

 

 
Top