GuidePedia

مسيرة العشرة الاف ميل عبر كوردستان

 

بقلم / رمزي الحاج عقراوي

remziakrawi@yahoo.com

 

صدر الى المكتبات كراس يقع في 46 صفحة، بالرغم من صغر حجمه وقلة صفحاته ، الا انه غني جدا بمحتوياته ومضامينه ومعانيه التاريخية القيمة، الفه وترجمه الى الانكليزية من اليونانية (ريكس ورتر) كما وترجمه من الانكليزية الى العربية الاستاذ صلاح سعد الله المهندس (قبل وفاته بسنوات طويلة = رحمه الله ) ، حيث تتكرر الاشارة في الدراسات التاريخية الى (الحملة الفارسية) او مسيرة العشرة الاف ، تلك الحملة العسكرية التي اشترك فيها (زينفون الاثيني) ثم ارخها بشئ من المبالغة والتميز ، في كتابه الكلاسيكي المشهور (انا باسس) حيث يروي فيها قصة المرتزقة الاغريق الذين جندهم (كورش) عام 401ق.م لمساعدته على انتزاع العرش من اخيه الملك (اردشير) .

ويتضمن الكتاب وصفا طريفا لمسيرة المرتزقة الاغريق من اليونان الى بابل لمحاربة ملك فارس ، وعودتهم عبر كوردستان وارمينيا واسيا الصغرى والبلدان التي شاهدوها والمعارك التي خاضوها والاقوام التي صادفوها وهنا تكمن اهمية الكتاب كمصدر تاريخي حي يلقي الضوء على حياة بعض الامم العريقة في منطقتنا ومنها الامة الكردية قبل حوالي الفين واربعمائة سنة، وفي فترة تميزت بدايتها بظهور الخصائص القومية للشعب الكردي – على حد قول المترجم نفسه في مقدمته للكتاب المذكور .

وقد ترجم نصا ما حواه الكتاب عن هذه المنطقة واضاف المترجم عددا من الايضاحات الضرورية واختصر البقية ومعظمها خطب واوصاف وشروح طويلة .

-        محتويات الكتاب –

يحتوي هذا الكتاب على عدة مواضيع متنوعة بالاضافة الى مقدمة والى كشاف عام منها على التوالي : محاولة كورش / معركة كوناكسا وموت كورش / بعد المعركة/ عزل الاغريق/ الاغريق يلحقون بارياوس/ المسيرة تبدا بشكوك متبادلة / القتال في الجبال / العبور الى ارمينيا / نهاية المسيرة .

والذي يهمنا ههنا هو ان نعرض للقارئ الكريم موضوعين فقط، يتعلقان بخصائص مقالنا الموجز هذا وهما اولا الزحف الى كردستان والثاني دخول كردستان .

-        الزحف الى كردستان –

كان موقف الاغريق حرجا عند مقتل قادتهم ، فعقدوا مجلسا حربيا قرروا فيه متابعة مسيرة العودة فعبروا الى نهر دجلة وكانت هنالك مدينة كبيرة مهجورة تدعى (لاريسا) سكنها الميديون سابقا ولها حيطان سمكها خمسة وعشرون قدما وارتفاعها ومحيطها ستة اميال .

كانت المدينة مشيدة من اللبن الطيني مع قاعدة حجرية سمكها عشرون قدما وعنما استولى الفرس على امبراطورية الميديين حاصرها ملك الفرس لكنه فشل في احتلالها . ثم غطت غيوم كثيفة المدينة وسترتها عن الانظار فهجرها سكانها وسقطت .

كان هنالك هرم حجري قرب المدينةوعرضه مائة قدم وارتفاعه مائتا قدم وقد لجأ كثير من القرويين الى قمته .

(يقول – رويستون بايك- في كتابه- اكتشاف الاشوريين- ان زينفون كان مخطئا وان المدينة المهجورة لم تكن (لاريسا) بل نمرود – المترجم - )

وبعد مسيرة ثمانية عشر ميلا وصلوا الى حصن كبير قرب مدينة تدعى (مسيلا) كان يقطنها الميديون في الماضي . (ويظهر ان هذا اصل تسمية مدينة الموصل المترجم ) كانت قاعدة الحصن من الحجر الاملس وكان عرضه خمسين قدما وارتفاعه خمسين قدما ايضا. على قمته شيد حائط من الاجر عرضه خمسون قدما وارتفاعه مائتا قدم وكان محيط الحصن ثمانية عشر ميلا، ومن المفروض ان ميديا زوجة الملك لجات الى الحصن عندما فقد الميديون امبراطوريتهم الى الفرس وبم يتمكن ملك الفرس من الاستيلاء عليه رغم هجومه المتكرر وانتظاره الطويل ولكن زيوس ارهب السكان بصاعقة فسقطت المدينة . او يعتقد بايك ايضا ان هذه المدينة المهجورة كانت نينوى وليست مسيلا يؤكد ان تسمية (لاريسا ومسيلا) كانت خاطئة حيث اعتمد زينفون على قصص القرويين الجهلاء ويلاحظ ان زينفون يذكر مرارا- الخرائب الميدية- ويشر الى الميدين في الماضي مما يثبت انقراض الميديين قبل المسيرة واندماجهم كما يعتقد بالشعب الكوردي . وقد شملت ميديا المنطقة الواقعة بين كوردستان ايران حاليا ونهر دجلة – المترجم - ).

 ثم جاءت مسيرة اثني عشر ميلا ظهر  فيها تيسا فرنس لمطاردة الاغريق ولكنهم تخلصوا من مضايقاته بعد مناوشات قصيرة وبعد خمسة ايام وصلوا الى موقع حصين جدا فمن جهة ارتفاع الجبال الشاهقة ومن الجهة الاخرى كان النهر العميق (كان الاغريق قد وصلوا عندئذ منطقة زاخو ويظهر ان المكان المقصود بالموقع الحصين ، حيث ترتفع جبال شاهقة من جهة ويجري النهر العميق من جهة اخرى . هو مضيق زاخو المعروف باسم (المضيق الابيض) . – كلي سبي- فيصبح موضع الاغريق حينئذ بين الجبل الابيض ونهر دجلة – المترجم ) .

عقد الجنرالات اجتماعا واستجوبوا الاسرى عن المنطقة حولهم فقالوا ان جنوبها يقع على طريق بابل وميديا وذلك كان طريق قدومهم ، والطريق شرقا يؤدي الى سوسا واكباتانا (همدان الحالية – المترجم) وقيل انها عاصمة الملك الصيفية اما عبور النهرغربا فانه يؤدي الى (ليديا) و (ايونا) والطريق شمالا عبر الجبل يؤدي الى (الكردوخي) Carduchi  (الاكراد – المترجم) واضافوا ان هولاء الناس عاشوا في الجبال وهم قوم محارب شجاع وليسوا خاضعين للملك . والحقيقة ان جيشا ملكيا تعداده مائة وعشرون الفا هاجم بلادهم مرة ولم يرجع نفر واحد منهم بسبب طبيعة الارض الفظيعة التي مروا بها . ولكن في المناسبات التي عقدوا فيها معاهدات مع الحاكم المسيطر على السهل نشات علاقات متبادلة طيبة بين الاكراد وسكان السهل . فكر الجنرالات بان عليهم غزو بلاد الاكراد عبر الجبال لانهم حسب اقوال الاسرى ، سيصلون بعد مرورهم بهذا القوم الى ارمينيا وهي بلاد كبيرة غنية يحكمها (ارونتاس) ومن هناك يسهل التنقل في جميع الاتجاهات .

قدم الاغريق القرابين كي يبدا زحفهم في الوقت المناسب ولكن القلق ظل يساورهم لاحتمال احتلال المعنيين الجبلي قبل تقدمهم لهذا اصدروا الاوامر بالاسراع في الرحيل .

 

-        الدخول الى كردستان –

وقد هجر الاكراد بيوتهم حالا والتجاوا الى الجبال مع نسائهم واطفالهم مخلفين ورائهم كثيرا من الطعام الذي استولى عليه الاغريق، كما كان هنالك كثير من الاواني المنزلية مصنوعة من البرونز بين الاثاث البيتية .

لم ياخذ الاغريق شيئامن هذا كما انهم لم يطاردوا الاهالي حيث ارادو اتباع سياسة اللين املين من الاكراد السماح لهم بعبوربلادهم بسلام كونهم اعداء الملك اما الطعام فقد كان ضروريا ولهذا اخذوا كلما وقعت عليه ايديهم ، ولكن عندما ناداهم الاغريق لم يعرهم الاكراد اهتماما ولم يظهروا أي شعور بالصداقة نحوهم .

كان الظلام حالكا حينما نزل اخر اغريقي من القمة الى القرى لان الصعود والنزول استغرق النهار كله بسبب وعورة الطريق وفي هذا الوقت تجمع الاكراد وهاجموا موخرة الاغريق فقتلوا قسما بالحجارة والسهام . وجرحوا اخرين ولو ان عددهم كان قليلا بسبب مباغتة الجيش الاغريقي لهم . والحقيقة ان الفناء كان محتما لجزء كبير من الجيش الاغريقي لو ان عدد المهاجمين كان اكبر في هذه المناسبة .

(تعرض المرتزقة الاغريق لهجوم الاكراد قرب زاخو كما ان اتصال الاغريق بالكردوخي – الكرد- تم اولا في هذه المنطقة من كردستان – المترجم)) .

عسكر الاغريق تلك الليلة في القرى اما الاكراد فانهم اوقدوا عددا من المشاعل على الجبال لتبادل الاشارات .

اجتمع جنرالات الاغريق ثانية في الفجر وقرروا اخذ اقوى حيوانات الحمل وللضرورة القصوى فقط . وترك البقية من الحيوانات ، كما قرروا ترك جميع العبيد الذين قبض عليهم مؤخرا . لان العدد الكبير من حيوانات الحمل والعبيد يعرقل المسيرة ويشغل عددا من الرجال المسوؤلين ويضعهم خارج الوحدات الفعالة، ثم ان العدد الكبير في المسيرة يتطلب مضاعفة من الطعام  وبعد اتخاذ هذه القرارات اصدروا امرا بوساطة النذير لتنفيذه حالا .

تابع الاغريق المسيرة بعد الظهر ، واصطف الجنرالات عند نقطة ضيقة من الطريق لتجريد الجنود من الموارد المحظورة . وقد امتثل الرجال للاوامر باستثناء حالات معدودة كأن يحب احد الجنود ولدا او امراة جميلة . وهكذا تقدموا في ذلك اليوم يقاتلون حينا ويستريحون احيانا اخرى وفي اليوم التالي هبت عاصفة هوجاء لكنهم استمروا في الزحف بسبب قلة التجهيزات .كان كريسوفوس يقود الطليعة بينما سار زينفون في المؤخرة. وقام العدو بشن هجمات عنيفة وخاصة في المضائق وكلما سمح المجال للسهام والمقاليع مما ابطا التقدم لضرورة مطاردة العدو ثم العودة بصورة متكررة . واضطر زينفون الى ايقاف التقدم مرارا عندما كان العدو يشن غاراته القوية، وكان كريسوفوس اعتياديا يامر بايقاف تقدم رجاله ايضا . لكنه لم يتوقف في احدى هذه المناسبات بل اسرع في السير وامر رجاله باللحاق به ، من الواضح ان شيئا غريبا كان يجري ولكن الوقت لم يسمح بالذهاب الى المقدمة للاستفسار والنتيجة ان المسيرة تحولت الى انسحاب عام للمؤخرة ، وهنا قتل جندي اسبارخي شجاع يدعى ليونيموس بسهم اصاب جنبه واخترق درعه وسترته الجلدية . كذلك قتل باسياس الاركادي باصابة مباشرة في راسه .

عندما حط الجيش رحاله ذهب زينفون الى كريسوفوس وانتقده بمرارة لعدم انتظاره مما اجبر الجنود على القتال والانسحاب في وقت واحد .

واضاف زينفون (والان قتل جنديان شجاعان ولن نتمكن حتى من استعادة جثتيهما او دفنهما ) اجاب كريسوفوس (انظر الى الجبال واستحالة اجتيازها ان هذا الطريق الوحيد الذي تراه ينحدر بشدة وتستطيع ان ترى الحشد الكبير من الرجال الذين يحتلون المضيق يقومون بحراسته . هذا هو سبب اسراعي وعدم انتظاري. لقد حاولت الوصول قبل احتلال المضيق .وادلاؤنا يؤكدون عدم وجود طريق اخر ).

قال زينفون ( عندي اسيران .فحينما كان العدو يضايقنا نصبنا كمينا وقتلنا قسما من الاعداء. ولكننا صممنا على اسر بعضهم للحصول على خدمات ادلاء يعرفون البلاد ) .

استدعى الرجلان حالا وسئلا على انفراد للتاكد من معرفتهم بمسالك الطريق الاخرى. ورغم تهديد احد الاسيرين بشتى الوسائل فانه اصر على عدم معرفته باي طريق اخر ، ولعدم قوله شيئا يستفاد منه فقد قتل هذا الرجل على مراى من الاخر، وقال الثاني ان سبب عدم افشاء الرجل سر الطريق الاخر هو زواج ابنته من رجل يسكن في نفس الاتجاه . ثم ذكر انه سيقودهم في طريق صالح لسير الرجال والحيوانات ، ولما سئل عن وجود اجزاء منيعة من الطريق اجاب انه من المحال عبور احدى المرتفعات اذا لم يتم احتلالها مسبقا. فتقرر عندئذ دعوة الرؤساء والمشاة الخفيفة الثقيلة التسليح الى اجتماع لشرح الموقف وطلب المتطوعين للقيام بحملة احتلال المرتفع .

 
Top