قال الله تعالى { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ . لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ . تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ }
هذا الكتاب المكنون الذي حرم الله أن يمسه مسلم من غير طهارة، فضلاً عن أن يمسه كافر.. هذا الكتاب العظيم كان مكانه على يد الأنجاس في المراحيض والكنف.
بعد أن فضحت مجلة ( نيوز ويك ) الأمريكية ممارسات جنود بلدها مع كتاب الله العظيم في معتقلات جوانتانامو, لم تكن تعلم بأنها ستفتح النار على حكومتها الأمريكية تدخل البنتاجون وفرض على المجلة تكذيب خبرها!
الجميع بات يتساءل: لو أن العالم الإسلامي لم ينتفض أمام هذه الممارسة الحقيرة مع كتاب الله العظيم, هل كانت المجلة ستسارع في نفي الخبر بالعدد التالي مباشرة !؟
هل يعتقد العالم أن هذه الممارسة اللئيمة مع كتاب الله العظيم هي حادثة شاذة ولم تقع إلا مرة واحدة فقط ؟
لا يا أيها العالم:
تقرير الصحفي الأمريكي أندرو هوريش, قال:
( لم تكن مجلة نيوز ويك في نقلها خبر تدنيس القرآن قد أخذت السبق الصحفي في هذا الخبر، بل هناك تقارير كثيرة أوضحت أن مسألة تدنيس القرآن أمام المعتقلين المسلمين لإغاظتهم أمر متكرر، نشرته صحف بريطانية وأخرى روسية يفعلها الجنود الأمريكان مع القرآن
المعتقلون البريطانيون الذين أطلق سراحهم من سجن غوانتانامو أول حديث أدلوا به هو معاناتهم مع تدنيس الجنود الأمريكان للقرآن داخل المعتقل, وإلى لحظة كتابة هذه السطور
لا تزال إهانة القرآن العظيم وتدنيسه أمراً
اعتيادي
إن المؤمن الحق يجب أن لا يتوقف من هذه الأحداث البشعة عند حد الاستنكار والشجب فقط, ولكنها فرصة لا تفوت في تأصيل مفهوم (الولاء والبراء)
قال تعالى مخاطباً جميع المسلمين { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
فاتقوا الله ربكم، واستمسكوا بدينكم، والزموا سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم [وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا البَلَاغُ المُبِينُ] {المائدة:92}.
يلبسون الحق بالباطل، ويفترون الكذب، ويخفون الحق، وتلك هي طبيعة الكفار والمنافقين قديما وحديثا [وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ] {الكهف:56}. وفي الآية الأخرى [وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الحَقَّ] {غافر:5}.
وذات مرة قال أبو جَهْلٍ:(هل يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بين أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نعم، فقال: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلك لَأَطَأَنَّ على رَقَبَتِهِ أو لَأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ قال فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ على رَقَبَتِهِ، قال: فما فَجِئَهُمْ منه إلا وهو يَنْكُصُ على عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ له: مالك؟ فقال: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا من نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لو دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
وكان أبو جهل يَعتزُّ بعصبته، ويهدد النبي عليه الصلاة والسلام بعزوته من المشركين، ولكن الله تعالى أقوى وأعز، روى ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَجَاءَ أبو جَهْلٍ فقال: أَلَمْ أَنْهَكَ عن هذا؟ أَلَمْ أَنْهَكَ عن هذا؟ فَانْصَرَفَ النبي صلى الله عليه وسلم فَزَبَرَهُ، فقال أبو جَهْلٍ: إِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما بها نَادٍ أَكْثَرُ مِنِّي، فَأَنْزَلَ الله تعالى [فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ] {العلق:17-18} فقال ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالله لو دَعَا نَادِيَهُ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ الله تعالى)رواه الترمذي وصححه.
وكان من عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام، وكفايته له حفظه إياه من سلاطة لسان امرأة أبي لهب، حمالة الحطب، وكانت خبيثة بذيئة؛ كما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال:( لما نزلت تبت يدا أبي لهب جاءت امرأة أبي لهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة وأخاف أن تؤذيك فلو قمت، قال: إنها لن تراني، فجاءت فقالت: يا أبا بكر، إن صاحبك هجاني، قال: لا وما يقول الشعر قالت: أنت عندي مصدق، وانصرفت، فقلت: يا رسول الله، لم ترك؟ قال: لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه) رواه أبو يعلى وصححه ابن حبان.
لقد أحاط الله تعالى نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام بحفظه ورعايته، وعصمه من مكر المشركين أفرادا وجماعات، رجالا ونساء، قبل الهجرة وبعدها، ورد كيدهم عليهم فانقلبوا خاسرين خائبين.
كان رأس الكفر أبو جهل أكثر الناس عداوة للنبي عليه الصلاة والسلام، وحاول قتله غير مرة، فحال الله تعالى بينه وبين نيته الخبيثة، روى عبد الله بنُ عَمْرِوٍ رضي الله عنهما : أن قريشا اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْماً في الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ما رَأَيْنَا مِثْلَ ما صَبَرْنَا عليه من هذا الرَّجُلِ قَطُّ: سَفَّهَ أَحْلاَمَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، لقد صَبَرْنَا منه على أَمْرٍ عَظِيمٍ أو كما قالوا قال: فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إذا طَلَعَ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ يمشي حتى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفاً بِالْبَيْتِ فلما أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ ما يقول، قال: فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، فلما مَرَّ بِهِمْ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَعَرَفْتُ ذلك في وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فقال: تَسْمَعُونَ يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَمَا والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيده لقد جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ، فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حتى ما منهم رجلا إلا كَأَنَّمَا على رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ، حتى إن أَشَدَّهُمْ فيه وصاةً قَبْلَ ذلك ليرفأه بِأَحْسَنِ ما يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حتى إنه لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يا أَبَا الْقَاسِمِ، انْصَرِفْ رَاشِداً؛ فَوَالله ما كُنْتَ جَهُولاً) رواه أحمد وصححه ابن حبان.
وذات مرة تآمر جمع من المشركين على النبي عليه الصلاة والسلام، وتواصوا فيما بينهم على قتله، وبيتوا الغدر به، ولكن الله تعالى عصمه منهم؛ كما روى ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال:(إِنَّ الْمَلأَ من قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا في الْحِجْرِ فَتَعَاقَدُوا بِاللاَّتِ وَالْعُزَّى ومنات الثَّالِثَةِ الأُخْرَى وَنَائِلَةَ وَإِسَافٍ لو قد رَأَيْنَا مُحَمَّداً لقد قُمْنَا إليه قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فلم نُفَارِقْهُ حتى نَقْتُلَهُ فَأَقْبَلَتِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ رضي الله عنها تبكي حتى دَخَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هَؤُلاَءِ الْمَلأُ من قُرَيْشٍ قد تَعَاقَدُوا عَلَيْكَ لو قد رَأَوْكَ لقد قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ فَلَيْسَ منهم رَجُلٌ إلا قد عَرَفَ نَصِيبَهُ من دَمِكَ، فقال: يا بُنَيَّةُ، أريني وضوءً، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دخل عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ فلما رَأَوْهُ قالوا: هَا هو ذَا، وَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَسَقَطَتْ أَذْقَانُهُمْ، في صُدُورِهِمْ وَعُقِرُوا في مَجَالِسِهِمْ فلم يَرْفَعُوا إليه بَصَراً، ولم يَقُمْ إليه منهم رَجُلٌ فَأَقْبَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنَ التُّرَابِ فقال: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، ثُمَّ حَصَبَهُمْ بها، فما أَصَابَ رَجُلاً منهم من ذلك الْحَصَى حَصَاةٌ إلا قُتِلَ يوم بَدْرٍ كَافِراً) رواه أحمد وصححه ابن حبان.
ولما هاجر عليه الصلاة والسلام، واختبأ في الغار، واشتد طلب المشركين له؛ خاف أبو بكر رضي الله عنه أن يدركوه، ولكن عصمه الله تعالى منهم، قال أبو بكر رضي الله عنهما: (نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ على رُءُوسِنَا وَنَحْنُ في الْغَارِ فقلت: يا رَسُولَ الله، لو أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فقال: يا أَبَا بَكْرٍ، ما ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثَالِثُهُمَا) رواه الشيخان، فأنزل الله تعالى خبر ذلك في كتابه العزيز[إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا] {التوبة:40}.
وفي هجرتهما إلى المدينة اشتدَّ الطلب عليهما، قال أبو بكر رضي الله عنه:(وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بنُ مَالِكٍ فقلت: أُتِينَا يا رَسُولَ الله، فقال: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَدَعَا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إلى بَطْنِهَا أُرَى في جَلَدٍ من الأرض فقال: إني أُرَاكُمَا قد دَعَوْتُمَا عَلَيّ،َ فَادْعُوَا لي فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا له النبي صلى الله عليه وسلم فَنَجَا فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلا قال: كَفَيْتُكُمْ ما هُنَا فلا يَلْقَى أَحَدًا إلا رَدَّهُ، قال: وَوَفَى لنا) رواه الشيخان.
[وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الشُّورى:52}
فالحمد الله الذي حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم من كيد المشركين، والحمد لله الذي هدانا على يديه لدينه العظيم