الكاتب الأردني/ قيس عمر المعيش العجارمة
الكاتب الأردني كتب هذا المقال وننشره دون تغيير ونترك للقاريء تحديد وجهة النظر
السلطة هي السلطة
ولو تبدل الأشخاص" لم تكن ثورة 25 يناير ثورة مصرية فحسب بل أنها كانت
ثورة لكل أبناء الأمة العربية ونصرا لشعوبها؛ أعادت الثقة إلى نفوس
الأحرار، وأيقظت معنوياتهم بعد أن دخلت في سبات التجويع والترويع، الذي
مارسته أنظمة القهر والقمع والفساد، تلك الثورة التي أطلقها شبان وشابات
أشعلوا مخزوناً كبيراً من وقود القهر والظلم، تراكم وتفاعل لينتج طاقة
عظيمة من قيم الحرية والتحرر والكرامة، لطالما طمرتها رمال الديكتاتورية
والاستبداد!!!!وما
أن بدأت حمم الثورة بالانفجار لتنال من جليد القهر والظلم وتذيب جمود
وصلابة نظام مبارك، حتى تداعى الانتهازيون وسارقو الثورات ليركبوا موجة
الثورة ويخطفوها، وكان على رأس المتداعيين وأكبرهم جماعة الإخوان المسلمون
الذين تخلفوا عن الركب يوم 25 يناير وبدءوا باللحاق به يوم 28 يناير
والدليل على ذلك إعلان الناطق الإعلامي باسم الجماعة الدكتور عصام العريان
يوم 20 يناير أنهم لن يشاركوا في مظاهرة 25 يناير التي دعت إليها حركة شباب
6 إبريل، وبدأت هذا الجماعة بالمساومة منذ اليوم الأول للثورة بوضعها عشرة
مطالب بين يدي نظام مبارك مقابل تهدئة الشارع، مذكرين النظام بضرورة
الامتثال لهذه المطالب خشية قيام ثورة شعبية كما حدث في تونس.
ولأن
السياسة لعبتهم والانتهازية وسيلتهم ؛ فقد أتقنوا العزف على أوتار الثورة
وأجادوا الغناء على مسرح التحرير، ليُطرب صوتهم العالي أسماع الجماهير،
وبعد أن تمكّنوا من خطف مقعد متقدم في صفوف الثوار وثبتوا اسم الحركة في
سند ملكية الثورة، اتجهوا إلى معركة انتخابات مجلسي الشعب والشورى ليكسبوها
متسلحين بتفوقهم التنظيمي والمؤسسي على أبناء الثورة، ثم اتجهوا إلى
معركة الرئاسة التي ساعدهم في حسمها خوف المصريين من إعادة إنتاج نظام
مبارك من خلال احمد شفيق، إضافة إلى العامل المهم وهو تفاهمهم مع الغرب حول
ثبات السياسة الخارجية المصرية على نهج مبارك بل وتطويرها إلى القدرة على
احتواء حماس وإيجاد سيناريو يمهد إلى ضمها لأحضان الصف المعتدل تجاه
إسرائيل - وقد بدأت الخطوات الأولى لهذا السيناريو تفوح رائحتها هذه
الأيام-.
ومع
هذا كله فقد توقع المصريون أن يكون مخزون القيم والشعارات التي ترفعها هذه
الحركة منذ بدايات القرن الماضي، واحترامها لتاريخها النضالي ، " مانعا
لها " من الاستئثار بالحكم والاستبداد بالسلطة أو التصرف خارج إطار القيم
الديمقراطية والثورية التي قامت على أساسها ثورة 25 يناير، بل أن لجوء
الشعب المصري إلى مناصرة هذه الحركة كان دافعه الخوف من تكرار النظام
الديكتاتوري أو الشمولي، لكن وللأسف فالسلطة هي السلطة ولو تبدل الأشخاص.
فالإعلان
الدستوري الأخير للرئيس محمد مرسي والذي يستحق أن يدخل موسوعة غينيس لكونه
أول وثيقة قانونية في مصر بعد الفراعنة تشرع للاستبداد والسلطة المطلقة،
بل أن نظام مبارك نفسه لم يجرؤ على تأليه نفسه وتحصين قراراته علناً في
وثيقة قانونية، ولم يجرؤ يوما على هدر مكانة السلطة القضائية المصرية
العريقة أو المساس بمبدأ الفصل بين السلطات الذي هو ضمان للديمقراطية
وسيادة القانون، أما بخصوص قرار إعادة المحاكمة لرموز النظام السابق فإنني
استغرب عن ماهية المحاكمة التي ستجرى ومدى الثقة في عدالتها وقد نزع هذا
الإعلان عنها مبدأ الحياد ومبدأ الاستقرار القانوني، وجرحت عدالة الحكم
سلفاً، بل وفي رأيي المتواضع كان أوجه للرئيس مرسي أن يصدر أحكاما قضائية
على المتهمين في نفس الإعلان ولا داعي إلى أن يعرّض القضاء المصري لشبة
التمثيل.
إن
فلسفه وجود المبادئ القانونية التي أهدرها الإعلان الدستوري وأهمها مبدأ
استقلال القضاء وسلطانه ليست من اجل تحقيق العدالة فحسب بل من اجل حمايتها
وصونها واستقرارها، إن سابقة العدالة الفردية والشخصية التي أرساها مرسي في
هذا الإعلان، تشكل سابقة خطيرة ونسفا للثقة والاستقرار بالمنظومة
القانونية المصرية برمتها ، إن العدالة المؤسسية مضمونة ومستقره أما
العدالة الشخصية أو الفردية فهي متغيرة وليست مستقرة لأنها تتبع مزاج من
أوجدها
|