يحتل
معرض إكسبو الدولي مكانة خاصة على خارطة المعارض والمؤتمرات الدولية وذلك لتفرده
بمجموعة من السمات التي تمنحه عن جدارة هذا التميز بما يحمله من تاريخ وعراقة تعود
إلى
منتصف القرن التاسع عشر، حيث كان المعرض على مر
تاريخه الطويل ساحة للاحتفاء بكل ما هو جديد من اختراعات ومنتجات وأفكار تساهم في
الارتقاء بالأمم والشعوب على اختلاف مشاربهم وتنوع ثقافاتهم.
وعلاوة على تاريخه العريق الذي يمتد إلى أكثر من
القرن ونصف القرن من الزمان، يعد المعرض الأضخم من نوعه في العالم من حيث المشاركة
التي تحرص عليها أغلب دول العالم صاحبة التجارب المتميزة في مجالات الصناعة
والابتكار، والأطول زمناً من حيث فترة انعقاده التي تناهز الأشهر الستة، والأكثر
استقطاباً للزائرين مع تخطي أعدادهم الملايين من مختلف أنحاء العالم.
وتتنوع المشاركة في معرض إكسبو الدولي وتضم الحكومات
والمنظمات والمؤسسات الدولية وكذلك الشركات العالمية الكبرى ومؤسسات الأعمال، حيث
يفتح هذا التنوع المجال رحباً أمام عقد شراكات نوعية تستمد تميزها من تنوع أطياف
المشاركة واختصاصاتها وأهدافها، حيث تبقى هناك العديد من الأرضيات المشتركة لإقامة
روابط تعاون ناجحة.
ولا تركّز معارض "إكسبو" على الشق
الاقتصادي فحسب حال أغلب نظيراتها العالمية ولكنها تنسحب إلى مساقات إنسانية
متعددة، يجمع بينها خط واحد هو كيفية الارتقاء بحياة الإنسان، وإذكاء المعرفة في
كل المجالات وتأصيل فرص انتشارها، والاحتفاء بالإنجاز الإنساني في شتى صوره،
والابتكار والإبداع في تطويره بما يخدم صالح البشرية ويفتح أمام الإنسانية نوافذ
جديدة للإطلال على المستقبل.
فعلى سبيل المثال، كان معرض إكسبو في أغلب الأحيان
هو الساحة التي تستضيف أول ظهور علني واسع النطاق للعديد من الاختراعات التي غيرت
مسار التاريخ. فقد شاهد الجمهور لأول مرة جهاز "الهاتف" و ماكينة
"الآلة الكاتبة" في معرض إكسبو الدولي الذي أقيم في الولايات المتحدة
الأمريكية في العام 1876، بينما احتفى المعرض في دورته التي أقيمت في مدينة سان
فرانسيسكو الأمريكية عام 1915 باكتمال مشروع "قناة بنما" حيث أتاح
المعرض للمدينة فرصة تأكيد تعافيها من الزلزال المدمر الذي أصابها في عام 1906.
"تواصل العقول وصنع المستقبل"
واستناداً إلى خبرة مديدة هي ثمرة رحلة حافلة
بالتجارب الناجحة في مجال تنظيم واستضافة المؤتمرات والمعارض العالمية الكبرى، كان
سعي دولة الإمارات إلى استقطاب معرض إكسبو الدولي 2020 لإقامته في دبي تزامناً مع
احتفال الدولة باليوبيل الذهبي لتأسيسها، لتكون بذلك المضيف الأول للمعرض في منطقة
مترامية الأطراف تمتد من المغرب وحتى جنوب آسيا.
واختارت دولة الإمارات عنوان "تواصل العقول
وصنع المستقبل" شعاراً لحملتها مستلهمة إياه من رؤية قيادة البلاد
للمستقبل وحرصها على تأكيد دور الإمارات كشريك في تشكيل ملامحه لاسيما وأن أهداف
المعرض تتوافق توافقاً كاملاً مع توجهاتها في ناحية إعمال الفكر والحوار كوسيلة
للتقدم والنماء وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، حيث أن المعرض يعتبر ساحة
للقاء المفكرين والمبتكرين والمخترعين والمثقفين تحت سقف واحد ما يعزز فرص تحليل
الواقع ومن ثم تقديم حلول فعالة لمجمل التحديات التي تواجهها البشرية حالياً أو
مستقبلاً.
وسيركز المعرض حال إقامته في دبي على ثلاثة محاور
يوجزها هذا الشعار وهي أولاً: الاستدامة، وفرص إيجاد موارد دائمة للطاقة والمياه،
وثانياً التنقل والمواصلات: الأنظمة الذكية للنقل والخدمات اللوجستية، وثالثاً:
الفرص وإمكانية إيجاد سبل جديدة لتحقيق النمو الاقتصادي.
مردود اقتصادي هائل
ويتيح المعرض للدول المضيفة لدوراته - التي تُعقد
بفوارق زمنية قدرها خمس سنوات - فرصة هائلة للترويج لإنجازاتها والتعريف بأهم
مبادراتها ومشاريعها وقدراتها الاقتصادية ومقوماتها السياحية ورؤيتها للمستقبل وما
يدعمها من أفكار واختراعات وابتكارات متنوعة، ما يذكي اهتمام دول العالم الكبرى
باستقطاب المعرض الذي تركزت أغلب دوراته السابقة ومنذ انطلاقه منتصف القرن التاسع
عشر في قارتي أوروبا وأمريكا، بينما لم يسبق أن أقيم في منطقة الشرق الأوسط أو غرب
آسيا وكذلك جنوبها، ما يعزز من فرص دولة الإمارات في الظفر بتنظيم المعرض مشفوعة
في ذلك بسلسلة من المقومات المنطقية ربما أهمها البنية الأساسية القوية والتاريخ
الطويل والحافل في مجال تنظيم واستضافة الفعاليات العالمية الكبرى.
وعلى الرغم من أن الثمار المرجوة من وراء استضافة
معرض إكسبو الدولي 2020 لا تقتصر على المردود الاقتصادي فحسب، إلا أن عمق هذا
التأثير يجعلنا نرصد ما يمكن أن يحدثه هذا المعرض من تأثيرات جوهرية على الهيكل
الاقتصادي العام لدولة الإمارات، والمنطقة برمتها.
فالدراسات تشير إلى زمرة من التأثيرات الأولية
المباشرة لنجاح الإمارات في استقطاب المعرض ربما من أبرزها وأكثرها عمقاً استحداث
نحو 280 ألف فرصة عمل جديدة في الدولة ما بين عامي 2013 و2020، وبصورة تدريجية
وصولاً إلى تاريخ انعقاد المعرض، في حين سيتركز الجانب الأكبر منها خلال الفترة من
2018 وحتى 2021، وهي الفترة التي ستضم نحو 90% من إجمالي تلك الوظائف.
تأثير إقليمي واسع
بل إن الأمر لا يقف عند هذا الحد فحسب، حيث أن
التأثير الاقتصادي للمعرض سيتجاوز حدود الإمارات إلى دول منطقة الشرق الأوسط، حيث
تظهر التقديرات الأولية أن المعرض سوف يلعب الدور الأكبر في المحافظة على استدامة
مليون و400 ألف فرصة عمل في المنطقة بمعدّل فرصة عمل واحدة في الدولة مقابل
50 فرصة عمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يشي
بالأثر التنموي العميق الذي سيتركه المعرض على صفحة الاقتصاد الإقليمي وما لتلك
الفرص من إيجابيات في اتجاه تحسين ظروف المعيشة ودفع معدلات التنمية الشاملة في
دول المنطقة.
إلى ذلك، من المتوقع أن يكون عدد زوار معرض إكسبو
دبي الدولي 2020 هو الأكبر في تاريخ المعرض الممتد لأكثر من 150 عاماً، حيث من
المنتظر أن يستقطب المعرض في دبي نحو 25 مليون زائر، بإجمالي عدد زيارات يناهز 33
مليون زيارة، حيث أن الموقع الجغرافي المتميز لدولة الإمارات وما تتمتع به دبي من
بنية أساسية رفيعة في مجال النقل الجوي والبحري وكذلك التجهيزات السياحية رفيعة
المستوى وعالية الكفاءة وما يدعمها من منظومة خدمية متكاملة وتسهيلات كبيرة تتيحها
دولة الإمارات للسائحين والضيوف كلها عوامل تعزز من هذه التوقعات التي تشير إلى أن
نحو 70 بالمائة من جمهور الزوار سيكون من خارج الدولة، حيث سيكون بإمكان العديد من
المسافرين العابرين بمطار دبي في رحلات الترانزيت التوقف لزيارة المعرض الأهم
عالمياً.
حلقة وصل
تقع دولة الإمارات على مقربة أربعة ساعات بالطائرة
من نحو ثلث دول العالم، بينما لا يفصلها عن ثلثي دول العالم سوى رحلة جوية لا
تتجاوز مدتها الساعات الثمانية، مما يجعل من فكرة السفر إلى دبي لحضور المعرض
أمراً هيناً، خاصة مع القدرات الكبيرة التي تتمتع بها مطارات الدولة، حيث نجح مطار
دبي الدولي في تحقيق مكانة مرموقة بين أكثر مطارات العالم استخداماً من حيث عدد
المسافرين، وبات يحتل الترتيب الثالث عالمياً متخطياً بذلك مطار هونغ كونغ الدولي
في الترتيب العالمي.
ووفقاً للتقرير السنوي للحركة الجوية الصادر
عن"مؤسسة مطارات دبي"، فقد ارتفع عدد المسافرين بنسبة 13.2% ليبلغ57,7
مليون مسافراً في 2012، بينما كانت الرحلات بين دبي وأمريكا الجنوبية هي الأكثر
نمواً بنسبة وصلت إلى 99.4%، خاصة مع افتتاح طيران الإمارات لخطي رحلات إلى مدينتي
بوينس أيريس (الأرجنتين)، وريو دي جنيرو (البرازيل) وهما من أكبر مدن أمريكا
الجنوبية.
فائدة متبادلة
وإلى جانب ضخامة المردود الاقتصادي الذي يحمله معرض
إكسبو للدول التي يحل ضيفاً على أرضها، سوف يحمل انعقاد المعرض في دبي وفي كنف
دولة الإمارات أيضاً فائدة كبيرة للعارضين المشاركين في الحدث من كافة أصقاع
الأرض، انطلاقاً من المكانة المتميزة التي تتمتع بها دبي كبوابة عبور هامة إلى
جملة مهمة من الأسواق النامية ضمن نطاق جغرافي مترامي الأطراف يسكنه قرابة
الملياري نسمة الأمر الذي يقدم للعارضين فرصاً استثنائية لاكتشاف وتفعيل علاقات
تعاون وشراكة جديدة ضمن هذا النطاق.
ففي ضوء ما توفره أحدث الدراسات الاقتصادية من
معلومات ومؤشرات، نجد أن الأسواق الناشئة في
عام 2020 ستكون مسؤولة عن نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بعدما كانت
لا تمثل سوى 15% منه فقط في ثمانينيات القرن الماضي؛ هذا في الوقت الذي تتيح فيه
دبي ومن خلال علاقاتها وروابطها الاقتصادية القوية، بوابة مهمة إلى أسواق شبه
القارة الهندية؛أكبر شريك تجاري للإمارة، وكذلك أسواق الصين؛ ثاني أكبر شريك تجاري
لها، علاوة على القارة الأفريقية التي تشهد نمواً مطرداً في روابطها التجارية مع
دبي وصولاً إلى أسواق أمريكا اللاتينية التي باتت العلاقات معها تأخذ شكلاً جديداً
لاسيما مع انطلاق رحلات جوية تربط الإمارات بدول القارة الأمريكية الجنوبية.
فهناك حوالي 450
رحلة جوية أسبوعياً بين الإمارات والهند، في حين يتجاوز حجم التبادل التجاري بين
البلدين 67 مليار دولار سنوياً، في حين تسيّر "طيران الإمارات" أكثر من
50 رحلة جوية أسبوعياً إلى الصين التي ارتفعت التدفقات السياحية منها إلى الدولة
خلال العام 2011 بنسبة 50 بالمائة. من جهة أخرى، ارتفع حجم التبادل التجاري بين
الإمارات وأفريقيا خلال الفترة الممتدة بين عامي 2000-2009 إلى أكثر من 600% لتصل
قيمته إلى 14.5 مليار دولار أمريكي سنوياً.
نقطة جذب قوي
وربما يكون الأداء القوي لقطاع السياحة في دولة
الإمارات أحد الأسباب المنطقية لاستضافتها لمعرض "إكسبو الدولي"، فمع
تنامي التدفقات السياحية إلى الدولة، وصل عدد زوار دبي في العام 2011 إلى نحو 9.3
مليون زائر بإجمالي عائدات ناهزت 4.36 مليار دولار، فيما وصل عدد زوار "دبي
مول" فقط في العام 2012 إلى أكثر من 65 مليون زائر متخطياً أعداد السياح
المتوافدين سنوياً إلى مدينتي نيويورك ولوس أنجلوس الأمريكيتين، حيث بلغ عددهم 52
مليون و41 مليون على التوالي العام الماضي (2012).
إلى ذلك، تخطى عدد نزلاء فنادق إمارة أبوظبي 2.1
مليون نزيل في العام 2011، فيما وصل نصيب إمارة الشارقة إلى ما يربو على 1.5 مليون
سائح، ما يوضح قدرة الإمارات على الوصول بأرقام زوار معرض إكسبو على مدار ستة أشهر
كاملة إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخه، لاسيما وأن الفترة المقترحة للمعرض من
شهر أكتوبر 2020 إلى شهر أبريل 2021 تتميز بأن درجات الحرارة فيها تكون ضمن أحسن
معدلاتها على مدار العام.