كتبت ـ بيان عبد العزيز:
اختيار
النَّبِـيّ صلى الله عليه وسلم للعاملين له على الولايات كان اختيارًا دقيقًا، و
كانت تتوافر فيهم أن يكون خبيرًا في العمل المكلَّف به.
و أن يكون أمينًا.
والأولى صفة
مكتسبة بالتجارب والمران، والثانية صفة ذاتيَّة، دون نظر إلى صلة أو قرابة أو نسب،
وقد ظهر ذلك جليًّا في أعوانه من النُّقَبَاء والكُتَّاب في إدارة شئُون الدّولة
الإسلاميَّة في عهدها النَّبوي. وفي الحديث المرفوع) حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
عَلِيٍّ الْعَامِرِيُّ ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيِّ ، قَالا : ثنا أَبُو أُسَامَةَ
، قَالَ : حَدَّثَنِي بُرَيْدٌ
،
عَنْ جَدِّهِ
أَبِي بُرْدَةَ
،
عَنْ أَبِي مُوسَى
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : دَخَلْتُ
عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ،
فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ : أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلاكَ اللَّهُ ، وَقَالَ الآخَرُ مثل ذَلِكَ ، فَقَالَ : " إِنَّا وَاللَّهِ لا نُوَلِّي هَذَا الْعَمَلَ
أَحَدًا سَأَلَهُ ، وَلا أَحَدًا حِرْصَ عَلَيْهِ " .
وكان فهم
النَّبِـيّ صلى الله عليه وسلم نابعًا من التوجيهات الرّبانيَّة في القرآن
الكريم مثل قوله تعالى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ
لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا
وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ
إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ
وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة247]
والعِلْمُ من
الصّفات المكتسبة، والجسم من الصِّفات الذاتيَّة، وهذا يعني القدرة على القيام بهذه
المهمة من الناحية الفنيَّة، ومن ناحية الأمانة والخلق فيكفي اختيار الله له.
وفي قول ابنة
الشيخ الكبير صاحب مَدْيّن لِمُوسَى عليه السَّلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا
أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}[القصص26]
فالقوَّة على الأداء والتمكُّن منه هي بعينها الخبرة وهي الصِّفة المكتسبة،
والأمانة من الصِّفات الذاتيَّة والتي تنبع من روح الإنسان وتديُّنه.
وكذا قول عزيز مصر
ليوسف: {ِإنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ}[يوسف54] وقال تعالى في صفة
جبريل عليه السلام: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ، ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي
الْعَرْشِ مَكِينٍ، مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير19:21].
وعلى هذا النّحو
كان اختيار النَّبِـيّ صلى الله عليه
وسلم لعُمَّالِهِ، فكان يستعمل خالد بن
الوليد على الحرب، منذ أسلم، وقال: "إنَّ خالدًا سيفٌ سلَّهُ الله على
المشركين" وكان أبو ذر رضي الله عنه،
أصلح منه في الأمانة والصدق، فقد قال صلى
الله عليه وسلم : «مَا أَظَلَّتْ
الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»([1]) لكنَّ
أبا ذر لم يستكمل شرطي الولاية فمعه شرطٌ واحدٌ وهو الأمانة، ومع خالد شرْطَانِ: الأمانة
والكفاءة في الحرب؛
وإن كانت أمانة
خالد أقل من أمانة أبي ذر، إلا إنه أكفأ منه، فقد قال صلى الله عليه وسلم : «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنِّي
أَرَاكَ ضَعِيفًا وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لا تَأَمَّرَنَّ
عَلَى اثْنَيْنِ وَلا تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ»
الكعبة المشرفة |