( قراءة في كتاب ) على أمواج الصراحة
(( قصاصات صحفية حول الفكر الكوردي المعاصر)) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشاعر : رمزي عقراوي
بدأت بالصراحة كأسلوب شفاف يركز على موضوعة الوعي الاجتماعي في تشخيص كل ما هو مختل في سياق الجمال المتناغم على اوتار الزمن في ابعاده الاربعة . فترعرعت كلمات متمردة كأنها تصحيحات حرة تتولد من امواج التحدي ،تحرث ارض المحبة لينبت فيها الامل الذي يقرر به الانسان مستقبله . وانتهيت بالحقيقة كأستنساخ لمجمل المعادلات التي ارهقتني فرضياتها في استنباط اللذة من اللقمة والامان من اللحظة ، والابداع من الفكرة ، و السعادة من التأمل المجدي ... وحالات كثيرة اخرى من حياة الكورد ومديات تفكيرهم خلال العقد الاخير من القرن العشرين ... هذا ما كتبه الاستاذ د. احمد قرني على الغلاف الخارجي الاخير لكتابه القيم ( على امواج الصراحة ) الذي اصدره في 110 صفحات من القطع المتوسط ... ان من يقرأ محتويات هذا الكتاب سيجد كاتبه في قول الحقيقة و الصراحة عبر امواج صراحته لا يخاف لومة لائم و لا قول نمام منافق ، بل هو حقا يتبع القول المأثور :( قل الحق و لو كان على نفسك) اعتقد – كذلك يعتقد معي الاستاذ الدكتور عادل كرمياني الذي كتب مقدمة معتبرة لهذا الكتاب وذلك بعنوان ( الكورد و عشق الصراحة ... و لكن !؟ )- ان الحقيقة و الصراحة لها طعم حلو ومر في ذات الوقت لا يتجرعها ولا يرتشف رحيقها الا من كان حقا يعرف ما هي الحقيقة و الصراحة . ولذا فأن قول الحق و الصراحة جهد صعب لا يقوم بها الا من كان هو حقا في اعماقه يؤمن بها ومستعد لتحمل عواقبها ... ومادامت امور الحياة متشعبة . لذا فأن كل امر من تلك الامور ... تستحق في حقيقتها وقفة وقول حق بحقها ... وهكذا اركب مؤلف هذا الكتاب الاستاذ د. احمد قرني سفينتين وعام في بحور الحياة الكوردية المعاصرة بنواحيها و جوانبها المتعددة ، يحاول من خلال تدوين نقوش افكاره المؤثرة على وجدان قرأءه الذين هم في هذه الايام بأمس الحاجة لمن يميط اللثام عن بعض خوافي الامور التي هي حقا من ذلك النوع الذي يقال عنه (ما خفي امره عظم شانه )!! نجد الاستاذ د. احمد قرني صاحب نظرة تمحيصية وفكر ثاقب في نقد عواهن الامور في واقع مجتمعه الكوردي الذي يعتبر فيه الكورد – وبكل جرأة و بصراحة يقولها – انهم ايتام الكون لاناصر حقيقي لهم سوى الاعتماد على عزيمتهم ...! فأنا لا اخفي سرا حين اقول بأني تلذذت كثيرا في حينها وانا اقرا حلقات هذا الكتاب الممتع منشورة في الصفحة الاخيرة من مجلة ( كولان العربي ) الشهرية ، ورغم انني كنت اعرف عن بعد ، و كنت في حينها قد سمعت عنه من اكثر من زميل بأنه ذو خلق رفيع لايتواني عن تقديم – المعروف لمن ينتخيه ،الا انني من جهة اخرى كنت اظنه كثير المجادلة من خلال تطرقه للعديد من الموضوعات في حلقات زاويته الشهرية . وانه حتما من الانصار المتأخرين ... للمدرسة الفسطائية اليونانية القديمة الذين كانوا يحبون المجادلة وقول الحق و النطق بالصراحة . لكني فؤجئت به عكس كل ذلك عند مناقشته امام الطلبة عن مشروعه النقدي الذي كتبه و قدمه حول مسرحية هارون الرشيد للكاتب الكوردي المعروف محمد موكري وحينها استطعت اثبات ثقافة هذا الطالب الذي يمتلك حقا قلم رصين شريف لم اقرأ له حتى الان سطرا يمدح فيه جاهل متسلط او سياسي متعجرف او مثقف ديما غوغي .... حين استنتجت في النهاية بأن صمته المحبوب سمة من سمات شخصيته الثقافية يحاول من خلاله اثبات ما يقوله هو عن الكورد بأن ( أنبل الاداب عندهم الصمت ) !! هذا ما اجاد به قلم الدكتور عادل كرمياني في مقدمته الرائعة لكتاب ( على امواج الصراحة )حيث يستطرد قائلا :- لا احبذ في هذه المقدمة المختصرة و الاطراء الواجب قوله ان افسد على القراء الكرام لذة قراءة اراء الكاتب ، بل وددت فقط من خلال هذه المقدمة ان اعرف القراءالكرام بشكل احسن واكثر بجوانب من شخصية هذا المثقف الكوردي الذي يجيد لغة العناد نطقا وكتابة بالاضافة الى لغته الام الكوردية و الذي اراد ان يوصل افكاره ليس فقط للقراء الكورد ، بل اراد ان يوصلها للقراء العرب ايضا من اصدقاء الكورد حقا وحقيقة حتى يطلعوا على ... جوانب من واقع وثقافة المجتمع الكوردي المعاصر !واجمالا يمكننا القول بأن مؤلف كتابنا القيم هذا حاول في حلقاته ربط الهم المحلي لمجتمعه الكوردي بالواقع العالمي المتطور حضاريا ، وكذلك يمكننا القول بأن هذا الكتاب ذو اسلوب سلس وعذب ينتهل في سرده وتعبيره عن ارائه الصريحة وتعزيزا لها من بعض الحكايات العالمية و الكوردية ، وكذلك ينتهل من تجارب حياته اليومية لكي يوصل للقارئ مايود قوله عبر ( امواج الصراحة ) التي تصل به لحد القول عن نفسه كانسان كوردي ( انا كوردي مصاب بمرض السذاجة الغارقة في الغرور )!! حيث لا يقصد بها ذاته / الحقيقية كمثقف ، بل يقصد بها ذات غالبية الكورد الذين يعانون من داء تواجد السذاجة و الغرور في تفكيرهم وتصرفاتهم ، و الذي نعتقد بأن من يمتلكها هو حقا جاهل احمق وليس مثقفا اروع - في البدء كانت الصراحة - تنتهي حرية الفرد حيث تبدأ حرية الاخرين .... تلك هي المساحة المثبتة في قياسات المنصفين ! ممارسة الحرية في حدودها المعقولة و الواسعة جدا ضمن التزامات اجتماعية يصان فيها احترام الفرد هي الحد النسبي الذي يفصل بين الحر و العبد !! عبودية اليوم بمطلق ارادة الفرد و رضاه ، حالة مأساوية اكثر شيوعا واخطر تأثيرا مما كان يزاول في تجارة الرق ، ايام زمان ؟! وختاما نبارك جهد الاديب و المفكر الكوردي الاستاذ د. احمد قرني ، ونقول له ولامثاله الخيرين مرحبا ، والف مرحبا بأصحاب الاقلام الجريئة الذين يخطون بمدادهم اقوال الحق و الصراحة ....! والف طوبى لمن كانت الصراحة ديدنه وهمه الاكبر ، وغايته القصوى ؟! |