كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى
للكاتب: كمال احمد مظهر
عرض : رمزي عقراوي
يشغل الشعب الكوردي صفحة بارزة في سجل تاريخ شعوب الشرق الحافل قديما وحديثا صفحة تحتاج ، مع ذلك الى جهود مثابرة خلاقة واقلام مخلصة نيرة لسبر اغوارها ووضع حقائقها امام الانظار لما في ذلك من اهمية علمية وعملية .
وبالرغم من ان العديد من المؤرخين بداوا في الاونة الاخيرة يولون دراسة تاريخ الشعب الكوردي في بعض مراحله اهتماما ملحوظا الا ان مكتبة الدراسات التاريخية ما تزال تفتقر الى بحوث جادة عن معظم جوانب ذلك التاريخ الذي ظلت وما تزال ، صفحات كثيرة منه مجهولة لا بالنسبة لابناء شعب جد قريب من صاحبه، واعني بهم العرب فحسب، بل هي ظلت كذلك حتى بالنسبة لابناء صانعي ذلك التاريخ انفسهم ، مما يضاعف واجب المؤرخ الكردي ، والذي هو واجب معقد في اساسه واذا تمكن هذا المؤرخ من تقديم ثمرة مفيدة الى اشقائه فانه يكون قد ادى حقا و واجبا يدخل في عداد المقدسات ، واسدى خدمة تاتي في مقدمة الضرورات في بابها ، وهذا بالذات هو الذي دفعني لاعيد النظر في النص الكردي لكتابي هذا واضيف اليه الكثير مما رايته ضروريا ليكون القارئ العربي على بينة – من الامر- هذا ما جاء في مقدمة الاستاذ الفاضل الدكتور كمال مظهر مؤلف – كتاب- كردستان (في سنوات الحرب العالمية الاولى) المؤلفة اصلا باللغة الكردية والمترجمة للغة العربية من قبل الاستاذ محمد الملا عبدالكريم (العضو المؤازر للمجمع العلمي الكردي) حيث يستطرد المؤلف الكريم الحديث في مقدمته هذه للطبعة العربية قائلا : - ولذا دون أي دافع اخر، جاءت الطبعة العربية ل (كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى) اوسع بكثير من نصه الكردي ، ومما ساعدني على تحقيق ذلك حصولي على مصادر جديدة ومهمة في اطار الموضوع بعضها اصيلة تدخل للمرة الاولى في مجال البحث العلمي من اجل القاء الضوء على جوانب كان يصعب من قبل تحديد كل ابعادها من دون الاطلاع على ما ورد في هذه المصادر من حقائق ومؤشرات نادرة، وهنا اورد التاكيد بشكل خاص على اعداد جريدة (تيكه يشتنى راستى) (فهم الحقيقة) التي اصدرها الانكليز باللغة الكردية في بغداد بعد احتلالهم لها ، فهي حافلة بالمعلومات القيمة للغاية مما اتاح للمؤلف امكانية فهم اعمق لاحداث مهمة وقعت في سنوات الحرب العالمية الاولى وهو ما يدركه القارئ بسهولة من خلال اطلاعه على المواضيع الواردة في الفصلين الثالث والرابع من الكتاب .
يلاحظ القارئ اهتماما خاصا بالاحداث التي وقعت قبل الحرب والتي كرس لها فصلان من الكتاب، وقد جاء ذلك بحكم الضرورة، نظرا لاهمية تلك الاحداث ووجوب عرضها لتقديم خلفية واضحة لاحداث لاحقة وقعت في سنوات الحرب نفسها اذ كان من المتعذر عرض صورة متكاملة بدون الخوض في دراسة اهم الجوانب التاريخية لفترة ما قبل الحرب كمدخل ضروري الى صلب الموضوع . وللسبب ذاته راى المؤلف من الانسب توسيع هذا القسم من الترجمة العربية ايضا والتاكيد فيه على الجوانب التي تهم المؤرخ والمتتبع العربي.
وكان المؤلف قد اشر في نهاية مقدمة الطبعة الكردية الى افتقار البحث الى المصادر العثمانية، الا انه اصبح بالامكان التعويض عن ذلك في الطبعة العربية الى حد غير قليل ، وذلك بالاستناد الى بعض المصادر السوفيتية التي اعتمدت الوثائق التركية اساسا مهما للبحث. وينطبق هذا القول بشكل خاص على المستشرقين الاذربيجانيين السوفييت المهتمين بتاريخ تركيا الاصيلة، وقد استفاد المؤلف كذلك نطاق واسع من كتاب الاستاذ شكري محمود نديم عن (الجيش الروسي في حرب العراق ) الذي يعتمد مصدرا تركيا الفه ضابط عثماني كبير اساسا لعرض الاحداث التي رافقت القطعات الروسية الى مناطق رواندوز وخانقين وبنجوين .
من الضروري ان اشير ايضا الى انه تم نقل مواضيع قليلة من فصل الى اخر لارتباطها اكثر بالمواضيع الموجودة في اماكنها الجديدة . مثل البحث المتعلق برد الفعل الذي اثارته مظالم المحتلين بين الاكراد ، فقد وردت امثلة عنه ضمن الفصل الثالث بينما ارتاى المؤلف نقلها الى الفصل الرابع لوجود ربط موضوعي اكثر بينهما وبين النضال الذي شهدته المناطق الكردية في سنوات الحرب العالمية الاولى .
وان غاية ما يتوخاه المؤلف الكريم في ختام مقدمته هذه ان تتحول الترجمة العربية لكتابه هذا الى لبنة متواضعة جديدة في صرح العلائق الاخوية التي تربط الشعبيين الشقيقين العربي و الكردي وقد سبقه الى الغاية النبيلة ذاتها اساتذة اخرون من مفكري الشعبين . وان تكون عند حسن ظن اللذين اطلعوا على اصلها الكردي او على ملخصاته او عرضه فكان لديهم مما يستحق التقدير والتكريم .
- كلمة المترجم –
يقول الاستاذ محمد الملا عبدالكريم مترجم هذا الكتاب القيم من اللغة الكردية الى اللغة العربية في كلمته الثمينة ما يلي : ( قدر لي قبل سنوات ان الخص الفصل الاول من هذا البحث مترجما الى لغة العرب لنشره مع اصله الكردي في العدد الاول من المجلد الاول من مجلة المجمع العلمي الكردي .ومنذ ذلك الحين استحوذت على ذهني فكرة ان اترجم فصول البحث كلها بعد اكمال نشرها الى اللغة العربية ولم تكن فكرة نشر تلك الفصول في كتاب قد ولدت بعد او لم يكن في ذهني انا شئ بهذا الصدد على الاقل .
واذا ظهرت سائر الفصول المنشورة منها وغير المنشورة ، بين دفتي كتاب صدر من المجمع في السنة 1975 وتلقفته ايدي القراء حتى نفذ في الاسواق خلال ايام قلائل ، ازداد شعوري بضرورة انجاز ما استقر عليه فكري منذ حين. الا ان انشغالي انئذ لم يتح لي الفرصة لاكثر من ان اقدم عرضا مفصلا للكتاب نشر في جريدة (التاخي) واشرت فيه الى ما عقدت العزم عليه بشان ترجمة الكتاب وقد نال العرض استحسانا لائقا من لدن جمهرة القراء.
كان ذلك الى جانب تقديم التقييم الكبير الذي ناله الكتاب من لدن العديد من الاساتذة المؤرخين والمعنيين بالدراسات الكردية (اشير في هذه المناسبة بصورة خاصة الى فقرة وردت في رسالة للمؤرخ الفاضل الاستاذ عبدالرزاق الحسني وجهها الى الاستاذ مسعود محمد نائب رئيس المجمع العلمي الكردي حيث ورد فيها قوله : ( ولقد عجبت كمؤرخ كل الاعجاب بمقالات الدكتور كمال مظهر - كردستان خلال الحرب العالمية الاولى – وحبذا لو طبعت برسالة مستقلة كما طبع اصلها الكردي فان فيها من المعلومات والطرواة ما لانجد مثلهما في المظان الاخرى ، عربية كانت ام اجنبية ) على اساس ملخصات بعض فصوله التي نشرت من قبل في مجلة المجمع العلمي الكردي والاستفسارات الكثيرة التي اخذت ترد تباعا الى المجمع عن ترجمة الكتاب، والاقتراحات العديدة التي قدمت اليه بهذا الشان ورغبة – المؤلف الفاضل نفسه في اعادة نظر شاملة في الكتاب لمقتضيات علمية منها ان هناك دوما بونا شاسعا بين المادة العلمية التي تعد للنشر كمقال والتي تعد للنشر كفصل من الكتاب- وهذا ما يتبين لمن يمكنه اجراء مقارنة بين الاصل الكردي والطبعة العربية هذه – كان ذلك كله خير حافز لي على ان انجز ما عقدت العزم عليه ، وذلك ما تفرغت له في اواخر السنة الماضية ويقدمه المجمع العلمي الكردي اليوم الى جمهرة قراء العربية .
- المقدمة –
مما يؤسف له ان ايا من مراحل تاريخ الشعب الكردي لم يدرس بعد دراسة معمقة ووفق اسلوب علمي منهجي الا انه قد يكون بوسعنا ان نستثني الى حد ما من هذا الحكم تاريخه الحديث (ولاسيما القرن التاسع عشرمنه) وبعض جوانب حركة التحرر القومي الكردية . غير ان من الواضح انه بدون دراسة معمقة علمية منهجية لمختلف مراحل تاريخ الكرد وكردستان تظل احدى الحلقات المهمة في دراسة تاريخ الشرق الاوسط بمختلف مراحله مفقودة. ويبقى كذلك العديد من الاسئلة العلمية المهمة دونما جواب.
تؤلف سنوات الحرب العالمية الاولى احدى مراحل تاريخ الشعب الكردي التي لم تزل بحاجة الى دراسة معمقة وكان قد حدد موقع خاص لهذا الموضوع ضمن الخطة التي كان المستشرقون السوفييت يبغون انجازها حول تاريخ الكرد ، وكانت دراسة هذا الموضوع اضافة الى مواضيع اخرى قد انيطت بمؤلف هذا الكتاب. وقد صار ذلك باكورة الاعتناء بهذه المرحلة .
تعتبر الحرب العالمية الاولى (1914-1918) احدى اهم احداث العالم . فقد عمت ماسي هذه الحرب وعواقبها جميع بلدان المعمورة وتسببت في حدوث تبدلات كبيرة في حياة معظم الشعوب . ولكن هذه الاحداث والعواقب شملت بلدان اوروبا والشرقين الادنى والاوسط اكثر من أي بقعة اخرى من العالم كما شملت درجة اقل افريقيا الشمالية وهذه هي المناطق التي كانت قد باتت ساحة قتال ضار .
جلي ان كوردستان بوصفها جزءا مهما من الشرق الاوسط كان لها تاثير بارز في الحرب العالمية الاولى لقد اثرت احداث الحرب وعواقبها تاثيرا كبيرا على حياة الشعب الكردي ومستقبله. ومع ذلك فان تاريخ (كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى) لم يدرس بعد دراسة متكاملة ولم يعرض للانظار كتاريخ مرحلة متكاملة في عمل مستقل .
لم يدون باللغة الكردية شئ ذو بال حول هذا الموضوع المهم فالمؤرخون الاكراد الاساتذة محمد امين زكي ورفيق حلمي وحسين حزني المكرياني (ولا سيما الاول منهم ) انما تحدثوا عن جانب واحد من هذا الموضوع وهو ما يتعلق بالصعاب والمحن الكثيرة التي اصابت الشعب الكردي في سنوات الحرب ، وبديهي ان هذا الاهمال هو الذي ادى ليس الى ان يعرف الشعب الكردي عامة شيئا عن هذه المرحلة المهمة من تاريخه وحسب بل وكذلك الى ان يكون المثقفون الكرد ايضا في غفلة من هذا الموضوع . وعلى سبيل المثال فنادرا ما يوجد كردي يعرف شيئا مهما عن دور الكرد في مذابح الارمن في حين ان عشرات الكتب الاوربية وغيرها تحدثت عن هذا الموضوع نظرا لاهميته السياسية والعلمية الكبيرة . ان هذا بحد ذاته فضلا عن عدد من الاسباب العلمية يضفي اهمية خاصة على دراسة تاريخ الكرد في سنوات الحرب العالمية الاولى ، هذا التاريخ الحافل بالاحداث والصبر والتبدلات التي تشغل حيزا ملحوظا في تاريخ الشرق الاوسط الحديث .
ان ارشيفات الاتحاد السوفييتي عامرة بالوثائق والمعلومات المهمة عن احداث كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى ويعود السبب في ذلك الى ان الجيش الروسي كان قد وصل في تلكم السنوات الى مختلف انحاء كردستان حيث كان يقاتل الجيش العثماني ، وهذا بالذات ما فسح المجال للمستكرد السوفييتي م.س .لازاريف كي يدرس بعمق كثيرا من جوانب التاريخ الكردي في سنوات الحرب العالمية الاولى كما ان الاكاديمي كرد- ليفسكي الذي طاف قبل الحرب العالمية الاولى وفي سنوات الحرب كذلك في كثير من مناطق كردستان وارمينيا نشر معلومات قيمة ومهمة ، لقد ساعدت نتاجات هذين العالمين وعدد اخر من المستشرقين السوفييت مؤلف هذا الكتاب مساعدة جلى في دراسة جوانب ذات اهمية من تاريخ كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى.
وللمراجع الانكليزية كذلك اهمية بالغة لالقاء الضوء على مسائل مهمة ولاسيما ما يتعلق منها بكردستان العراق فالانكليز كما هو معروف قد اولوا هذه المنطقة اهمية اكثر مما اولوها للمناطق الكردية الاخرى ، حتى ان الجيش الانكليزي قد بلغ مشارف هذا القسم من كردستان وبعض الاجزاء منه قبيل انهاء الحرب لذلك فان معظم المصادر الانكليزية انما تتحدث عن كردستان العراق وحدها وقلما يعثر فيها على ما له صلة بالاجزاء الاخرى من كردستان . ومع ذلك يمكن القول ان بالامكان الاستفادة بصورة جيدة من كتابات ارنولد ويلسون وادموندس وماسون وكتاب انكليز اخرون لتوضيح العديد من المسائل هذا فضلا عن ان المصادر الانكليزية حافلة بالوثائق والمعلومات الاصيلة حول اهتمام الدول الكبرى بكردستان سواء في سنوات الحرب اوقبلها .
ولاتخلو المكتبة العربية كذلك من مصادر مفيدة حول موضوعنا هذا غير ان معظم هذه المصادر ايضا تتحدث عن كردستان العراقية في الاساس. وعلى سبيل المثال فان كتاب شكري محمود نديم قد كرس اصلا للبحث عن القتال بين الجيشين العثماني والروسي في جبهات السليمانية وخانقين ورواندوز . وقد يعثر في زوايا هذا الكتاب العربي او ذاك على بعض المعلومات المفيدة حول تاريخ الكرد قبيل الحرب العالمية وخلالها .
وقبل ان يختتم المؤلف هذا الاستعراض الموجز للمصادر المتوفرة حول موضوع هذا البحث يود المؤلف الكريم ان يلفت انظار المتتبعين بشكل خاص الى امكانية الركون لتنوير قضايا معينة من التاريخ الكردي الحديث والمعاصر الى المعلومات الغزيرة والمتنوعة المتوفرة لدى بعض – الشخصيات االكردية من الجيلين السابقين ممن راقبوا عن كثب الاحداث الساخنة المتلاحقة في العقود الاولى من هذا القرن او اشتركوا فيها بشكل مباشر . وقد استفاد صاحب هذا الكتاب فعلا من بعض المعلومات التي استقاها خلال اتصالاته الشخصية مع عدد من هؤلاء (ونخص منهم بالذكر المرحوم الاستاذ ممدوح سليم والاستاذ اكرم جميل باشا ) لالقاء الضوء على مسائل محددة وردت في متن هذا الكتاب.
وهكذا فان ندرة المصادر الموثوقة الكافية هي احدى اكبر العقبات القائمة في طريق دراسة تاريخ كردستان في سنوات الحرب العالمية الاولى. ان جانبا كبيرا من احداث تلكم السنوات قلما يمكن العثور على شئ بشانه اصلا ولا سيما ما يتعلق بنضال الشعب الكردي والتحولات الفكرية – الاجتماعية التي شهدت المنطقة بدايات مهمة لها في تلك الفترة وهو ما دفع العديد من المؤلفين الى الاعتقاد بان هذا النضال قد توقف بسبب الحرب.
ليس التاريخ الكردي غير مدروس وحسب كما اشر المؤلف الى ذلك في بداية مقدمته هذه بل وان قسما كبيرا من المواد القليلة المدونة عنه قد خصص لتشويهه وليس لدراسته ومن هنا فانه كثيرا ما يجد المؤرخ الموضوعي النزيه نفسه في مجال الدفاع عن الكرد ، دون ان يشعر بنفسه بذلك ويبدا في السعي لاظهار الحقيقة خدمة للتاريخ ومن المسائل المهمة التي شوه فيها دور الكرد ولطخت سمعتهم مذابح الارمن في عهد السلطان عبدالحميد والمذابح التي جرت في سنوات الحرب العالمية الاولى بصورة خاصة فان شخصا مثل البروفسور بول اميل يقول بكل بساطة ودونما ادنى تمييز انه (اندفع كل انسان في تركيا سواء كان من الجنود او الجندرمة او الاكراد او من قطاع الطرق لمهاجمة الارمن فقضوا على من قضوا من الرجال والشبان وارغموا الباقين على النزوح من البلاد في ظروف رهيبة تقشعر لها الابدان ) واسوأ من ذلك ما كتبه لوقا زورو حول المذابح التي حدثت في عهد السلطان عبدالحميد حيث يقول : ( وفي عهد السلطان عبدالحميد عندما اراد الفتك بالارمن الاثوريين لم يجد غير الاكراد لتنفيذ مآربه بالنظر الى ميلهم الطبيعي للقتال فافتعل حربا دينية بينهم تحولت الى مجازر بشرية هائلة ما زالت اصداءها حتى الان في ضمير هذا الجيل ).
ورد مثل هذه الاحكام عن العلاقات الكردية –الارمنية كحقائق تاريخية منتهية في كتابات العديد من المؤرخين القريبين، ما من حاجة للعود بعيدا الى الوراء فالكاتب الانكليزي كلينك الذي تجول في روسيا وتركيا في سنوات الحرب والسنوات التي اعقبتها مباشرة، تحدث في كتابه الموسوم (مغامرات في تركيا وروسيا) والذي كرسه للحديث عن مشاهداته في تلك الجولة ونشره في لندن في العام 1924 فذكر كيف انه راى بام عينيه الاكراد في العديد من المناطق وهم يوؤن المشردين الارمن وينقذون اطفالهم من الموت . بل وتحدث ذلك عن امكانية التعايش بين الاكراد والارمن وكيف ان السلطان عبدالحميد كان يخشى ذلك كثيرا وقد انشا الفرسان الحميدية للحيلولة دون ذلك ومع ذلك ورغم هذه الحقائق التي ذكرها فاننا نقرا كذلك في كتابه ما يلي:
(ان هذا العمل (ويقصد به تشكيل الفرسان الحميدية للقضاء على الارمن يدعى –ك.م) كان في محله تماما وذلك لان الكرد يتجمعون منذ ايام زينفون بسمعة لايضاهيهم فيها احد كقطاع طرق ولصوص وقساة مجردين من الايمان ) .
ولكي يثبت كلينك قوله هذا بصورة اكثر رسوخا في قلب القارئ وفكره فقد نقل في هامش الصفحة التي دون فيها الفقرة التي اشر المؤلف اليها انفا تلك الاسطورة الفارسية التي تزعم ان سالامون (سليمان) بعث يطلب في حينه اربعمائة من الفتيات الحسناوات من الشرق وحسبما ورد في الاسطورة فان العفاريت اسروا له هؤلاء الفتيات في شمالي بلاد ما بين النهرين وان الكرد من نسل اولئك .
مثل هذه التقيمات جلبت انظار مؤلف هذا الكتاب منذ حين ودفعته لان يولي العلاقات الكردية – الارمنية ودور الكرد في مذابح الارمن اهمية خاصة ، وقد وجد ذلك صداه في الفصل الخامس من هذا الكتاب وهو الفصل الخاص بدور الكرد في مذابح الارمن . وتشكل هذه المسالة بحد ذاتها واحدا من اهم فصول التاريخ الكردي منذ اواخر القرن التاسع عشر . وقد بلغت احدى ذراها في سنوات الحرب العالمية الاولى بالذات ولذلك فقد كرس لها مكان بارز من هذا الكتاب .
لقد حصل المؤلف الفاضل الدكتور كمال مظهر احمد ، الاستفادة من مصادر كثيرة ومتنوعة لدراسة موضوع الكرد ومذابح الارمن غير انه ينبغي ان نشير هنا بصورة خاصة الى مصدر جد مهم الا وهو كتاب (ابادة الارمن في الامبراطورية العثمانية ) الذي نشر باللغة الروسية في العام 1966 تحت اشراف البروفسور نيرسيسيان . فهو يضم بين دفتيه مئات الوثائق التاريخية المهمة والتي لم يطلع عليها الا القليلون حول مذابح الارمن وقد جمعت هذه الوثائق من مختلف المصادر والارشيفات وفي هذا المصدر توجد كذلك بحوث ووثائق مهمة حول دور الكرد وموقفهم في تلك المذابح .
لقد استهدف المؤلف في الفصل الخامس من هذا الكتاب اهدافا متعددة في مقدمتها تحديد الدور الحقيقي للكرد في مذابح الارمن . وواضح انه بذلك وبذلك وحده يمكننا لا الكشف عن الحقيقة وحسب بل والاتعاظ بعبر التاريخ كذلك .
لاشك في ان تحليل مختلف جوانب التاريخ الكردي في سنوات الحرب العالمية الاولى يفتقر الى نتاجات اخرى مثل هذا الكتاب .
كما يفتقر الى دراسة الوثائق الرسمية للدولة العثمانية وبعض الدول الاوربية التي اشتركت في الحرب وهي مهمة يحتاج الى توفرشروط خارجة عن استطاعة المؤلف وتدخل ضمن مشكلة اكبر يعاني منها مؤرخو البلدان النامية بشكل جدي. الا ان بوسعنا جميعا ان نسمح لانفسنا مع ذلك باعتبار هذا الجهد الذي يضعه المؤلف والمترجم معا بين ايدي القراء بمثابة مدخل غير مطروق الى هذا الموضوع الحيوي .
اما مدى نجاح المؤلف الفاضل فيه فمن شان القراء والاختصاصيين ان يقدروه وعلى كل حال فان المؤلف الكريم يامل ان يكون من شان كتابه الذي نحن بصدد استعراض محتوياته الثمينه ان يملأ فراغا متواضعا في حقل الدراسات التاريخية المكرسة للبحث في جوانب مختلفة من احداث شرقنا الملتهب وان تتلوه كتب اخرى كثيرة بعون الله وقوته ..
مواضيع الكتاب –
يحتوي هذا الكتاب المهم على 416 صفحة ومن خمس فصول عناوينها كالاتي :
بداية الاطماع / على ابواب الحرب/ في اتون الحرب/ نضال ..وضحايا / الكرد والدم الارمني المراق / تجسيد الاطماع / بالاضافة الى كلمة المترجم ومقدمة المؤلف للطبعة العربية وخاتمة وثبت المراجع باللغة العربية وباللغة الكردية وباللغة الروسية وباللغة الانكليزية وباللغات الاخرى كالفارسية والتركية ، والعديد من الصحف والمجلات المتنوعة واخيرا فهرست الاعلام (أي اعلام الاشخاص وكذلك اعلام الاماكن ) .
وهكذا جسدت احداث الحرب العالمية الاولى ولاسيما دبلوماسيتها السرية اطماع الدول الكبرى نحو شعوب المنطقة بشكل لم يسبق له مثيل فدفعت هذه الشعوب بما فيه الشعب الكردي ثمن ذلك غاليا ، الا ان الامر تحول من جانب اخر الى درس اول في الاحتكاك المباشر بواقع طبيعة الدول – الاستعمارية والاعيبها التي لم يستطع كل اصحاب الراي مع ذلك تقدير جميع ابعادها كما يجب مما ادى الى تعميق نتائج الماساة بشكل واضح .
ومع المؤلف- نعود لنكرر في الختام القول ان سنوات الحرب العالمية الاولى تشكل بماسيها ونتائجها ودروسها مرحلة مهمة في تاريخ الشعب الكردي مرحلة تستحق ان تولى العناية والاهتمام .
ان هذا الكتاب القيم جدير بالقراءة وضروري ان يطلع عليه عن كثب كافة القراء والمتتبعين لتاريخ الشعب الكردي الحديث...
_____________
(1) درس المستكردون السوفييت ويخص المؤلف بالذكر منهم الدكاترة ن.ا.خالفين و م.س..لازاريف وجليلي جليل العديد من الجوانب المهمة من تاريخ الشعب الكردي في القرن الماضي ، ومن العوامل التي ساعدت هؤلاء على القيام بذلك غنى الارشيفات السوفييتية بالمعلومات الاصيلة والوثائق المتعلقة بتلك المرحلة من تاريخ الشعب الكردي فقد كانت روسيا القيصرية تولي كردستان انئذ اهمية بالغة وقد درست بعض جوانب الحركة القومية الكردية في الاتحاد السوفيتي كذلك .
(2) لوقا زورو المسالة الكردية والقوميات العنصرية في العراق ، بيروت 1969 الص080 التاكيد من المؤلف لان هذا الجانب من الموضوع هو بالذات ما حاول المؤلف عرضه في اطاره الواقعي ضمن بحثه المستفيض عن دور الكرد في المذابح الارمنية .
(3) اشار الكاتب والمؤرخ الاغريقي زينفون
(430-355او 354 ق.م) وهو من تلامذة سقراط الى (الكاردوخيين) والمناطق الكردية وذلك في كتابه المعروف (انا باسيس) الذي الفه في العام 401ق.م وهو يقود حملة (العشرة الاف) الاغريقية اثناء انسحابها من ايران.
(4) مطبعة المجمع العلمي الكردي /بغداد/ 1977 ومن مطبوعات المجمع العلمي الكردي نفسه .