ماذا قدم الكورد للعرب والاسلام؟!
بقلم / رمزي الحاج عقراوي
لقد دأب الكورد على مر العهود على مقاومة الظلم والعدوان، فقد تصدوا للحملة اليونانية عام (401) ق.م ، وقد ذكر ذلك المؤرخ اليوناني كزينفون في كتابه (انابا سيس) كما تصدوا وقاوموا جحافل الامم المغيرة عليهم من فرس ويونان ورومان ومغول وغيرهم، حفاظا منهم على بنائهم الحضاري والقومي واللغوي، كما قال عنهم المؤرخ الاغريقي (ديودوروس):
(الافضل ترك الاكراد في معاقلهم خير من احتلالهم لان ذلك يجلب لنا المتاعب)!.
فلما انتشر الاسلام بينهم وجدوا فيه الحقيقة والحق الذي ينشدونه ولمسوا فيه روح التاخي والتسامح، فدخلوا فيه عن عقيدة وايمان راسخين، فكان منهم صحابة لرسول الله (ص) واشتهر منهم الصحابي (كابان) ابو بصير ووالده ميمون الذي رويت عنه الاحاديث الشريفة.
ثم كان مفخرة التاريخ في كل ابعاده (الناصر صلاح الدين الايوبي) الذي ما ترك مسيرة الكفاح والنضال من اجل الاسلام والحفاظ على الارض والتراب والامة في مصر والشام ، حيث خلف فيها حضارة واقام دولة موحدة صامدة لم تلن امام عاديات القوى الغازية كما استخلد الحضارة الايوبية في النضال والادارة والتاريخ، وان كانت قد تعرضت فيما بعد الى الاجتياح التتري الذي ناصب عداءه كل حضارة فاحرقها وخرقها ودمرها .
واذا كان العهد العثماني قد سلط على رقاب العرب والاكراد فترة اربعة قرون خلت باسم الخلافة الاسلامية ، فقد اخلص كل منهما بدافع الدين الاسلامي، لكن التغيرات السياسية والتعصب العرقي الطوراني خلف الهوة والتناقضات التي جمعت الاكراد والعرب في خندق المقاومة والنضال، فتعرض احرارهم الى تسنم اعواد المشانق في كل مكان من ارض العروبة والاسلام .
تلك المشاركة الوجدانية في الجهاد ولقمة العيش والتاخي واواصر القربى والتقارب الفكري بين العرب والاكراد وبعث روح التعاون حيث يقول : (محسن عبدالحميد) في كتابه (الفكر الاسلامي تقويمه وتجديده) ص9 : ان التفكير اهم مظهر من مظاهر وجود الانسان ، وهو الذي اعطاه المرتبة العليا التي تميزه عن عالم الحيوان، فبالتفكير يواجه الانسان كل ما حوله ليكتشف فيه ما يساعده على التكيف والبقاء وانشاء الحضارة.
فالكوردي يقول الحق ويعمل من اجله ولو على نفسه وعلى اقرب الناس اليه وان اكرم واخلص وبذل، يهوى الحرية والمناضلين ويقدر الرجال والرجولة، ولو كانت في اعدائه!
لقد احترم الشعب الكوردي زعماءه وشيوخه واستامنهم في اتخاذ القرارات وان كانت جائرة..يشعر باهله وجيرانه، كل هذا بدافع الغيرة والمروءة والحب والايثار.
وهم يبتعدون عن الشوفينية العرقية والتعصب البغيض التي تفرق وحدة الصف في الامة، ويسعون نحو تحقيق الاهداف الخيرة للوطن.
لقد تمازجت الثقافات العربية و الكوردية وتوحدت الافكار والمصطلحات وظهرت بينهم شخصيات رائدة في المعرفة والسياسة والحكم في مسيرة التقدم والازدهار. كما اغنى الكورد الثقافة والتراث العربي بكثير من النتاج وسخروا اقلامهم في خدمة العروبة والاسلام في شتى ميادين النشاط الانساني، ووقفوا دفاعا في المحافل الدولية الى جانب الشعب العربي الذي اخاهم في العيش والنضال.
لقد كان هدف الكورد في سياساتهم المبدئية هو (العراق اولا) والكوردايه تى ثانيا ولذا فقد كان جل المناضلين العرب والعراقيين دائما وابدا يقدرون ذلك ويؤمنون كل الايمان بان الكورد اخوة لهم وهم رفاق الدرب، وان هناك عدوا مشتركا يناصبهم العداء ابدا ويقف من قضاياهم الوطنية وحقوقهم الشرعية موقف المتخاذل واجمل عبارة قالها الاديب التركي (يشاركمال) (ربما تتمكن تركيا من تجفيف البحر لكن لن تستطيع اصطياد اسماكه)!
اذن فالشعب الكوردي شعب مؤمن شديد التمسك بالاسلام والعلم ، استهوته العلوم الدينية الاسلامية، ولقد كانت التكايا والزوايا والكتاتيب وغيرها مبثوثة في كل ارجاء العالم الاسلامي حيث ظهر فيها العلماء العاملون الذين وضعوا بصماتهم على تاريخ الفكر الانساني وبناء الحضارة الاسلامية على مر العهود ، وكثير منهم يرجعون الى ارومة كردية خالصة تقريبا، فكان المجدد المفكر
ابن تيمية الحراني، وكان المصلح الشيخ الامام محمد عبدة مفتي الديار المصرية في عهده، وكان المربي والمناضل الشهيد سعيد بيران،والعلامة العامل محمد سعيد النورسي (بديع الزمان) ، اللذين لم يتهيبا الموت في ظل الاتاتوركية وهما يدافعان مع اتباعهما من الشهداء الاحرار عن الحرية والكرامة والوجود ومقدسات الاسلام !
ومنهم امير الشعراء احمد شوقي ومحمود تيمور وعائشة التيمورية وولي الدين يكن وعباس محمود العقاد ومحرر المراة قاسم امين والعلامة محمود شكري الالوسي وكذلك العلامة امجد الزهاوي والمؤرخون الافاضل ابن الاثير وابن خلكان وخير الدين الزركلي...وغيرهم كثيرون ممن خدم النهضة العربية والاسلامية وبثوا روح العقيدة والتراث الفكري والانساني نورا وهداية للاجيال، كما شهد لهم (وسترمان) اذ يقول : (لقد برع الشعب الكوردي بالهندسة المعمارية والفلك والتاريخ والفلسفة والموسيقى).
وهناك العديد من الكورد الاخرين لم نستطع ذكر اسمائهم كلهم ممن خلدتهم الايام والتاريخ فكان لهم دورهم الريادي في بناء الحضارة الانسانية والعربية والاسلامية .